#الثائر
- اكرم كمال سريوي
شكّلت إجراءات المصارف الاخيرة، خرقاً لعدة قوانين لبنانية، ترعى علاقتها بالمواطنين. ويبدو ان من اتخذ هذه القرارات في جمعية المصارف، إمّا هو يجهل القوانين، إما انه يراهن على قدرته في التفلّت من المحاسبة والعقاب، عبر شبكة علاقاتهم العنكبوتية، المتغلغلة في مفاصل الدولة، واجهزتها السياسية والإدارية والقضائية لتُشكّل مافيا الرأسمالية السياسية .
اخضع قانون النقد والتسليف في المادة 123منه، الودائع لدى المصارف، الى احكام المادة 307 من قانون التجارة اللبناني، والتي تنص، على ان المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغاً من النقود، يصبح مالكاً له، وعليه ان يرده عند اول طلب من المودع، او بحسب شروط المهل. وفي المادة 314 من هذا القانون، أُحيل ما هو غير مذكور فيه، الى قانون الموجبات والعقود .
نصت المادة 49 من قانون الموجبات والعقود، على موجب وجوب تسليم الشيء، والمحافظة عليه من قبل المدين، اي المصرف، الى حين تسليمه لصاحبه. ونصت المادة 112، ان التسليم يجب ان يتم عند حلول الأجل المحدد في العقد. اما المادة 122 فنصت، ان كل عمل ينتج عنه ضرر غير مشروع بمصلحة الغير، يُجبر فاعله على التعويض العادل على المتضرر .
تتم كافة العمليات بين المواطنين والبنوك، بموجب عقود، يوقّع عليها الطرفان، وهي ملزمة لكليهما، ولا يحق لأي طرف مخالفة الاتفاق، او نقضه من جانب واحد، لكن البنوك ضربت عرض الحائط بهذه العقود، واتخذت إجراءات تعسفية، تضر بالزبائن والمودعين .
رفضت المصارف تسليم الودائع لأصحابها في مواعيد الاستحقاق، واحتفظت بأموالهم دون وجه حق، وخفضت نسبة الفائدة عليها، من جانب واحد، دون رضى المودعين او استشارتهم، في حين كان يتم خفض مستواها الائتماني، من قِبل المؤسسات الدولية، وراحت تسلمهم مبالغ زهيدة ، من أموالهم وودائعهم، بحجة عدم توافر السيولة لديها، أكان بالعملات الأجنبية، ام بالليرة اللبنانية، في حين كان بعض عمال المصارف، يُهرّبون الدولار، بالاتفاق مع الصيارفة، الذين بدأوا مضاربات غير مشروعة، وباعوه بأسعار تفوق بكثير السعر الرسمي، الذي حدده المصرف المركزي .
لقد حدد قانون تنظيم مهنة الصرافة في لبنان، شروطاً عديدة، أهمها ما ورد في المادة 7، التي تفرض ممارسة الصرافة في مكان مستقل، لا يمارس فيه اي عمل آخر. اما المادة 12، فهي تُلزم الصيارفة، بالبيع وفقاً لسعر الأسواق المالية، وتمنع التلاعب بالأسعار. ولقد نصت المادة 127من قانون النقد والتسليف، على حظر ومعاقبة اي شخص، يقوم بمحاولة النيل من مكانة الدولة المالية، بمعنى المادة 319 معطوفةً على المادة 209 من قانون العقوبات، التي تعاقب كل من يقوم بأعمال او اعلان، لإحداث التدني في قيمة النقد الوطني، وتمنعه من ممارسة الاعمال المصرفية. ورغم هذه المخالفات التي تهدد الامن الوطني، واستقراره النقدي، رأينا ان السلطة انكفأت عن ملاحقة هؤلاء الصيارفة، الذين راحوا يعبثون بأمن الوطن وأموال المواطنين.
لقد حددت المادة 70 من قانون النقد والتسليف واجبات المصرف المركزي، ومن بينها الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وسلامة النقد، واعطته صلاحيات لتنفيذ ذلك، من بينها الرقابة على عمل المصارف، والشركات المالية، ونصت المادة 75، انه يجب على المصرف المركزي، استعمال كافة الوسائل اللازمة، لتأمين ثبات القطع، وعدم التلاعب بسعر الصرف، وإن تخلّف المركزي عن تنفيذ هذه المهمة، يجعل حاكمه وهيئة الرقابة لديه، عرضة للملاحقة القانونية، بسبب عدم قيامهم بواجباتهم التي حددها القانون .
في ظل المناكفات السياسية، وتلكؤ المسؤولين، في المبادرة وإيجاد الحلول، وتعنّت البعض منهم، ورفضهم التنازل عن السلطة، واستمرار الثورة الشعبية المطلبية، ونجاحها في تجاوز المطبات الأمنية والسياسية، نجد ان المصارف تستغل فرصتها، ولم تكتفِ بتغطية الفساد، منذ ارتكابات بنك المدينة، الى الاخفاء والاستيلاء على حسابات عديدة بمليارات الدولارات، توفي أصحابها من عراقيين وغيرهم، الى الإفادة من هندسات مالية جعلت أرباحهم اكثر من 5,6 مليار دولار خلال أسابيع، وكذلك جملة إعفاءات وتسهيلات قدمها لهم حاكم المركزي، على حساب خزينة الدولة، فتمكنت من جعل رأسمالها يرتفع منذ التسعينيات حتى اليوم، من حوالي 280 مليون دولار، الى اكثر من 22 مليار دولار. فكيف حصلت على هذه الأموال، ومن أجاز لها مخالفة واستغلال القوانين؟
إن ستة عشر عائلة، تمتلك هذه المصارف، وتتشارك مع بعض السياسيين الفاسدين الذين يقفون خلفها، والذين حصلوا على قروض ميسرة كبيرة، كقروض الإسكان او تلك المخصصة لدعم بعض المهن، كصناعة السينما مثلاً، حيث حصل بعض اصحاب التلفزيونات على قروض من البنك المركزي، بقيمة اكثر من ثمانين مليون دولار، بدل ان تُعطى لمؤسسات الانتاج السينمائي، وكذلك غيرها من تقديمات ومكرمات، بفوائد بسيطة، ثما أعادوا توظيفها لدى المركزي، وعبر المصارف، بفوائد عالية، فتمكنوا ان يجمعوا ثروات كبيرة، على حساب خزينة الدولة، وأموال المواطنين. فكيف تم ذلك؟ ودون حسيب او رقيب؟ ولماذا لم تتحرك اجهزة التفتيش؟ ولماذا يصمت المسؤولون على انتهاكات المصارف، والصيارفة، وارتكابات جمهورية المصرف المركزي؟ انها أسئلة، برسم من ينادي بالإصلاح، والحفاظ على الدستور والقوانين، واستعادة الأموال المنهوبة، وبناء الدولة .