#الثائر
المحامي " ميشال قليموس "
دعا دولة الرئيس نبيه بري المجلس النيابي للانعقاد بتاريخ 19/11/2019 وذلك لمناقشة وإقرار عدّة قوانين من دون أن يكون مشروع قانون الموازنة من ضمنها، وذلك في ظل استقالة الحكومة وعدم تكليف شخصية سنّية لتأليفها.
أحدثت هذه الدعوة تساؤلات واشكالات ذات صفة دستورية.
الأمر الأول: هل يحق للمجلس النيابي ممارسة دوره التشريعي في ظل حكومة مستقيلة؟
تنص الفقرة 3 من المادة 69 من الدستور اللبناني على ما حرفيته:
«عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكما في دورة انعقاد استثنائية حتى تاليف حكومة جديدة ونيلها الثقة».
ان الفقرة المذكورة تعني وبوضوح بان المجلس النيابي وعند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يعتبر منعقدا بصورة حكمية وبصورة استثنائية في حال لم يكن منعقدا في دورته العادية لمناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة ونيلها الثقة.
بمعنى ان هذا الانعقاد الحكمي مخصص دستوريا لتأمين اكتمال المشهد الدستوري وتكوين السلطة التنفيذية لبدء ممارسة أعمالها كونها تكون بين تاريخ تأليفها وتاريخ نيلها الثقة تمارس تصريف أعمالها في النطاق الضيق.
قدَّم الدكتور ادمون رباط رأيا دستوريا عندما قدّم لرئيس المجلس النيابي السابق السيد حسين الحسيني رأيا استشاريا بتاريخ 25 أيار 1988 وأورد فيه بان التشريع عمل مستقل غير مرتبط بوجود الحكومة سواء كانت حكومة تصريف أعمال أو حكومة لم تنل ثقة المجلس النيابي؛ وصولا الى قوله بانه بإمكان المجلس النيابي القيام بصلاحياته الاشتراعية وإقرار القوانين الجديدة في ظل حكومة مستقيلة.
وهنا لا بد من الإشارة الى الرأي الدستوري الذي أدلى به النائب السابق الدكتور حسن الرفاعي حيث ورد فيه ما حرفيته:
«تعتبر حكومة تصريف الأعمال ميتة، أي انها غير موجودة، ولكن الحاجة الى تسيير أمور الإدارة قضت بإعطائها صلاحية تصريف الأعمال الإدارية من دون أن تتحمّل هي أو يتحمّل الوزير فيها، أي وزير، أي مسؤولية».
ويضيف: ان مجلس الوزراء لا يجتمع والحكومة مستقيلة لانه ستصدر عن هذا الاجتماع مراسيم يتحمّل الوزراء مسؤولياتها. وهؤلاء وزراء في حكومة ميتة، كما ان «الأموات لا يقتلون كذلك لا يمكن إقالة الحكومات المستقيلة» وفق القول الفرنسي:
"On ne tue pas les morts, on ne renverse pas les gouvernements demissionnaires”.
ولقد ورد في مجلة: R.D.P- 1952- p1032- 1033 ما حرفيته:
"Or lors qu’un gouvernement est déjà demissionnaire, ce contrôle ne peut plus jouer, car sa sanction manquerait; on ne tue pas les morts, on ne renverse pas les gouvernements demissionnaires”.
"Le gouvernement pourrait donc faire des actes contraires à la volonté du parlement sans encourir aucune responsabilité et cela est la negation du régime parlementaire…”.
فالمجلس النيابي يمكنه الانعقاد للتشاور في الشؤون الوطنية والسياسية والاقتصادية من منطلق كونه ممثلا للشعب، وبالتالي لا يحق له التشريع في ظل حكومة مستقيلة دستوريا.
ولقد أكد على هذا المبدأ الفقهاء الدستوريون الفرنسيون أيام دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة وهو الدستور الذي انبثق عنه الدستور اللبناني؛ حيث أكد الفقيهين الدستوريين "Duguit” و"Eugenie Pierre” هذا المبدأ المذكور أعلاه.
وهنا لا بد لنا من أن نورد أيضا مقتطفات من دراسة دستورية صدرت بتاريخ 9 نيسان 2005 عن «المؤسسة القانونية للاستشارات والتحكيم» والتي أتت متناقضة مع دراسة الدكتور ادمون رباط المعتمدة كما هو ظاهر من قبل الرئيس نبيه بري، وان هذه المطالعة الدستورية وقّعها يومها وزير العدل السابق ورئيس مجلس شورى الدولة السابق جوزف شاوول ورد فيها ما حرفيته:
"لا يمكن لمجلس النواب التشريع وإقرار القوانين إلا في حضور الحكومة، سواء ورد مشروع القانون من الحكومة أو وضع اقتراح قانون من جانب نائب أو أكثر. وهذا مبدأ معروف في القانون الدستوري نصت عليه صراحة المادة 67 من الدستور اللبناني المنقولة حرفيا عن المادة 60 من القانون الدستوري الفرنسي الصادر في 16 تموز 1875. وإذا كان الوزراء المستقيلون يحتفظون بحقهم في حضور جلسات مجلس النواب والتكلم، غير ان مجلس النواب لا يستطيع التشريع إلا في حضور حكومة تتمتع بصلاحياتها كاملة، ولا يمكن للوزراء المستقيلين أن يشاركوا في هذا العمل السياسي بامتياز".
وان هذا الموقف الدستوري متلاءم مع رأي الفقيه Eugenie Pierre—
Traité de droit politique electoral et parlementaire- Tome II- P768-NO639.
سنة 2013 وبعدما استقالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تم توجيه سؤال الى هيئة التشريع والاستشارات التي أدلت بالرأي الاستشاري التالي:
«لا يجوز للمجلس النيابي ممارسة صلاحياته التشريعية الكاملة ابان تواجد حكومة في وضع تصريف الأعمال لعدد من الأسباب ومنها:
أ – يمنع على الوزراء أو الحكومة (في وضع تصريف الأعمال) التدخّل في عملية التشريع عبر ممارسة حق الكلام - الذي هو في الواقع حق دستوري - أو عبر الطعن أمام المجلس الدستوري لاستحالة مساءلة الحكومة، لان كل ممارسة مخالفة تؤدّي الى إعطاء الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة أو أعضائها حصانة تفوق حصانة الحكومة (وأعضائها) التي تمارس المهمات الدستورية في ظل ثقة المجلس».
ان ما تقدّم ذكره أعلاه يؤكد ما أدلينا به لجهة عدم إمكانية المجلس النيابي القيام بدوره التشريعي، خاصة وان مقولة «المجلس سيد نفسه» تتوقف عند حدود وجود دستوري كامل للحكومة.
ثانيا: وبصورة استطرادية هل يحق للمجلس النيابي مخالفة المادة 32 من الدستور لجهة إقرار قوانين جديدة قبل إقرار قانون الموازنة العامة ؟
تنص المادة 32 من الدستور اللبناني على ما حرفيته:
«يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديين، فالعقد الأول يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار، والعقد الثاني يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة العقد إلى آخر السنة».
لقد تمَّ إقرار هذه المادة بموجب التعديل الدستوري الذي تمّ بتاريخ 17/10/1927 وبالتالي فان التعديلات الدستورية سنة 1990 لم تتناول هذه المادة وبقيت كما كانت.
ان الملاحظ في المادة 32 من الدستور هو ان المشترع ألزم المجلس النيابي بإتمام مناقشة مشروع قانون الموازنة المحال إليه من قبل الحكومة قبل نهائية 31 كانون الأول من السنة كي يستطيع المجلس النيابي وبعد اطلاعه على المشروع وعلى قطع الحسابات المالية للسنة المنصرمة الإجازة للحكومة في الجباية والانفاق للسنة الجديدة.
وبالتالي من هذا المنطلق أكدت المادة 32 من الدستور على ضرورة البت بمشروع قانون الموازنة قبل أي عمل آخر مما يعني ان المجلس النيابي لا يحق له مناقشة أي مشروع أو اقتراح قانون آخر قبل مشروع الموازنة.
وبالتالي فان الجلسة التشريعية المزمع انعقادها في 19/11/2019 والتي تتضمن مناقشة وإقرار قوانين لا علاقة لها بمشروع قانون الموازنة تكون متناقضة في مضمونها مع أحكام المادة 32 من الدستور مما يعني ان أية مراجعة ابطال مقدمة أمام المجلس الدستوري تكون مستندة الى المادة 32 والفقرة 3 من المادة 69 من الدستور تكون مراجعة في موقعها القانوني وبالتالي لا اجتهاد في معرض النص.
ثالثا: وبصورة أكثر استطرادا:
هل يحق لرئيس الحكومة المستقيل مشاركة رئيس الجمهورية في توقيع مرسوم إصدار القوانين سندا لأحكام المادتين 54 و56 من الدستور؟
تنص الفقرة الأخيرة من المادة 54 من الدستور على ما حرفيته:
«أما مرسوم إصدار القوانين فيشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة».
ان الفقرة المذكورة تعطي رئيس الحكومة الممارس صلاحية توقيع مراسيم إصدار القوانين مع رئيس الجمهورية وبالتالي فان هذه الصلاحية لا يمكن لرئيس الحكومة المستقيل ممارستها لان هذا التوقيع من شأنه مناقضة مبدأ تصريف الأعمال بالحدود الضيقة التي تمارسها الحكومة المستقيلة ومن شأنه أيضا إنشاء حق قانوني جديد حاصل بعد تاريخ تقديم الاستقالة مما يجعل من إمكانية صدور مرسوم إصدار القوانين مستحيلا من الناحية الدستورية وبالتالي تكون تطبيق أحكام المادة 56 من الدستور مستحيلا أيضا كون رئيس الجمهورية ملزم بإصدار القوانين خلال مهلة شهر بعد احالتها الى الحكومة ويطلب نشرها.
وبالتالي طالما ان الحكومة مستقيلة ولا يحق لرئيسها إنشاء أي حق أو التزام جديد بعد تاريخ تقديم الاستقالة، تكون صلاحية رئيس الجمهورية في تطبيق صلاحية الاصدار والنشر ناقصة دستوريا إذ أنه يتوجب انتظار تشكيل الحكومة الجديدة والتي سوف تقوم بعد نيلها ثقة المجلس النيابي وبعد ورود أي نص قانوني قد يكون المجلس النيابي قد صوّت عليه لاحالته الى رئيس الجمهورية ليتم تطبيق المادة 56 من الدستور وفقا للأصول.
رابعا: هل ان التشريع في ظل حكومة مستقيلة يؤمّن لرئيس الجمهورية استعمال صلاحياته بموجب المادة 57 من الدستور؟
تنص المادة 57 من الدستور على ما حرفيته:
«لرئيس الجمهورية، بعد إطلاع مجلس الوزراء، حق طلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لاصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه. وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حل من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً.
وفي حال انقضاء المهلة دون إصدار القانون أو اعادته يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره».
ان استعمال رئيس الجمهورية لهذا الحق الدستوري في طلب إعادة النظر في القانون مقرون بالوجود الدستوري للحكومة التي لا يمكنها الاجتماع لاتخاذ قرارات بعد تاريخ استقالتها كونها تصرف الأعمال.
وبالتالي وفي ظل عدم التمكن من انعقاد مجلس الوزراء لا يستطيع رئيس الجمهورية ممارسة هذه الصلاحية خارج إطار الانعقاد الدستوري لمجلس الوزراء مما يعني ان السلطة الرقابية المعطاة دستوريا لرئيس الجمهورية ضمن المادة 57 تعتبر معلّقة حتى ورود القانون الى رئاسة الجمهورية بعد نيل الحكومة الجديدة ثقة المجلس النيابي.
مما يعني ان الإصرار على التشريع في ظل حكومة مستقيلة من شانه تعطيل صلاحية أساسية معطاة لرئيس الجمهورية ضمن الدستور في الحقل التشريعي.