#الثائر
- اكرم كمال سريوي
يبقى المأزق المالي والاقتصادي، الذي يمر به لبنان هو الأهم، بالرغم من المأزق السياسي، والتجاذبات والشعارات المطروحة. ومن الواضح ان البلد اصبح على شفير الانهيار، ويحتاج الى مساعدة مالية خارجية، عربية وغربية لأنقاذه، ولن تُجدي المعالجات الداخلية نفعاً دون تلك المساعدة.
وحده الرئيس الحريري قادرٌ على القيام بهذه المهمة، لما له من علاقات وصداقات دولية، تمكّنه من جلب الدعم للبنان، والجميع يعلم ان اي اسم بديل لرئاسة الحكومة، لا ولن يستطيع ان يفعل ما يستطيع ان يفعله الحريري للبنان.
انطلاقاً من هذه القناعة لدى جميع الأطراف، اعلن الرئيس نبيه بري تمسكه بتسمية الحريري لرئاسة الحكومة. ولاقاه حزب الله في هذا الموقف ايضاً، واتت في نفس السياق مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، و رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع .
يعرف الرئيس الحريري ان نجاحه مرهون، بشكل الحكومة المقبلة ولهذا يُصر على حكومة إنقاذ غير سياسية. وفيما أبدى حزب الله مرونة في تلبية هذا الطلب، شعوراً منه بحجم الخطر القادم، ولثقته بقاعدته الشعبية، التي تُشكّل مصدر قوته وثقله، في اللعبة السياسية الداخلية، وليس ممثله في الحكومة.
وتبقى العقدة الأساسية، في تمثيل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وتوزيره شخصياً. فهو يرفض تحميله مسؤولية ما حصل، ويعتبر ان خروجه من الحكومة هزيمة سياسية له، خاصة بعد انشقاق بعض نواب التيار، وإعلان معارضتهم له. فإن خروجه من الحكومة الآن، سيقضي على طموحاته الرئاسية نهائياً، ويتمسك بأنه ما زال رئيس اكبر تكتل نيابي، ولا يقبل بان يكون خارج الحكومة .
حاول التقدمي والقوات تسهيل الطريق امام حكومة غير سياسية، وأعلنا رغبتهما بعدم المشاركة ، وهذا جعل التشكيل اكثر تعقيداً، بحيث باتت مغامرة تشكيل حكومة سياسية خالية منهما، بمثابة مشروع انتحار سياسي، وتحدّي للرغبة الدولية بحكومة تقنيين، وبالتالي لن تأتي بعدها المساعدات، وسيواجه لبنان المزيد من العقوبات والضغط .
لا حكومة في غياب التوافق، ورغم ان الدستور لم يُحدد مهلة للاستشارات النيابية الملزمة، لتسمية رئيس للحكومة، لكن مبدأ عدم جواز الفراغ، وتعطيل المرفق العام، يُحتم بدء الاستشارات فوراً وعدم التأجيل. ويجب ان يتحمل النواب مسؤوليتهم الدستورية في ذلك. ولقد اجازت المادة ٦٥ من الدستور، لرئيس الجمهورية، الطلب من مجلس الوزراء، حل المجلس النيابي، في حال رد الموازنة برمتها بهدف شل يد الحكومة عن العمل. فهل يجوز مع هذا النص، تأخير الأستشارات النيابية لتأليف حكومة، والقبول بشل البلاد ؟؟؟
يرى البعض من السياسيين، ان التريث في تحديد موعد الاستشارات، وإعطاء الوقت للاتفاق على شكل الحكومة، قد يكون مفيداً لإنضاج الحل، إذ لا طائل من تسمية رئيس للحكومة، والمراوحة لأشهر حتى يتم التشكيل. فيما يرى خبراء القانون، ان التمادي والمماطلة هو مخالفة صريحة لروحية الدستور، والحرص على تسيير مرافق الدولة، ومن وجهة النظر هذه، فإن تشكيل الحكومة، يخضع لاستشارات نيابية يُجريها رئيس الحكومة، واي تجاوز لهذا المبدأ، يُعدّ مخالفة صريحة لنص الدستور .
لا اتفاق حتى الآن ولا حل في الأفق، وبالتالي لا ولادة قريبة للحكومة. ولهذه الأسباب يستمر الضغط في الشارع، فالناشطون في الحراك الشعبي، يُدركون تماماً مخاطر ما تقوم به السلطة حتى الآن، من عدم اكتراث ومراهنة على الوقت وتعب المحتجين، ولهذا كان ثلاثاء الإصرار، وسيليه اصرار واصرار، وقد يأتي غضبٌ عارم، حتى تحقيق المطالب، وإجبار السلطة على سماع صوت الشعب، والاستجابة لرغباته، فالشعب هو مصدر السلطات وفقاً للدستور.