#الثائر
كتبت صحيفة العربي الجديد تقول: يقول نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان، سليمان هارون ، إنّ لبنان مقبل على كارثة صحية، فالمستشفيات غير قادرة على تسديد مستحقات مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية، وبالتالي لن تعود قادرة على تقديم العلاجات للمرضى. ويقول لبنانيون كثيرون، فرحون بالثورة، إنّ فرحتهم هذه بأنفسهم لا تخفي قلقهم من "فوضى" أو "مجهول" يعبر إليه لبنان قريباً، أقله مع نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. عنوان هذا المجهول انهيار اقتصادي، الأمر الذي يتحدث بشأنه اللبنانيون بكثير من العادية، مع خوف ظاهر، وحنق كثير على ما يعتبرونها بلادةً في السياسيين الحاكمين، والزعامات المألوفة، التي تتداول في أمر تشكيل حكومةٍ جديدةٍ بالأدوات التقليدية المعهودة، من دون اقتراب واضح من حدة الأزمة الكبرى في البلد، والتي يدلّ على واحدٍ من مظاهرها حديث "الكارثة الصحية" التي أشار إلى هارون.
ومع قلة اكتراث إقليمي ودولي بلبنان وأوضاعه المقلقة، يظهر نذر تشاؤم، إلا إذا طرأت مستجدات عاجلة، من قبيل الاستجابة للنداء الذي بدا أنّ البنك الدولي وحده من المجتمع الدولي يرفع الصوت بشأنه، ومفاده الإلحاح بشأن تشكيل حكومة في لبنان خلال أسبوع، على ما قال المدير الإقليمي للبنك، ساروج كومار جاه، كما نقلت عنه وكالة "أسوشييتد برس"، وذلك "من أجل منع المزيد من التدهور وفقدان الثقة في الاقتصاد اللبناني". وأضاف كومار جاه أنّ "البنك الدولي لحظ، في الأسابيع الأخيرة، مخاطر متزايدة على الاستقرار المالي والاقتصادي في لبنان". وأوضح الموظف الرفيع في المؤسسة البنكية الدولية أنّ "تخفيض ترتيب عدد من البنوك اللبنانية يدل على أن الثقة في الاقتصاد اللبناني تنخفض بشكل حاد".
يذكر أن كومار جاه هو المسؤول الدولي الذي يزور بيروت منذ أيام، ويلتقي فاعليات سياسية واقتصادية، في غياب أي تحرّك عربي أو أميركي أو أوروبي من أجل المساهمة في الأزمة اللبنانية ذات الواجهة الاقتصادية، مع إلحاح عواصم غربية وعربية على أن إزاحة "حزب الله" من السلطة وإبعاده من التحكم بمفاتيحها هو المعبر الأول لإنقاذ لبنان من كل مشاكله. ولم يجد وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، في تصريح له أول من أمس الجمعة، غير القول إنه "لا بد من مساعدة شعبي العراق ولبنان على التخلّص من النفوذ الإيراني وتحقيق تطلعاتهما". وكان الرئيس اللبناني، ميشال عون، قد استقبل المسؤول الرفيع في البنك الدولي الأربعاء الماضي، وأبلغه أن العمل جارٍ من أجل تشكيل حكومة جديدة من وزراء غير مشتبه بهم في ملفات فساد.
وفيما تواصلت التظاهرات يوم أمس السبت في مناطق عدة، وتوجّه بعضها إلى المصارف، ومنزل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، استقبل عون مساء أمس سلامة، ورئيس مجلس إدارة جمعية المصارف في لبنان سليم صفير، وتمحور الاجتماع حول السبل الكفيلة بمعالجة الوضع الراهن في البلاد. ويأتي ذلك بعد يومين من استقبال عون رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، حيث تداولا في أمر تشكيل الحكومة الجديدة، ولم يرشح عن مباحثاتهما ما يشير إلى نجاحهما في الوصول إلى نقاط اتفاق بشأن تشكيل حكومة مصغرة مستقلة، ولو برئاسة الحريري، الذي هناك إجماع إلى حد كبير على ضرورة عودته إلى رئاسة حكومة تنظّم انتخابات نيابية مبكرة، وفق قانون انتخاب جديد، يساهم في إيجاد طبقة سياسية مختلفة، وتنعطف بالسلطة إلى إعادة تركيب نفسها بشكل مغاير للذي عهده اللبنانيون، وقامت "ثورة 17 تشرين" من أجل إزاحتها، وفق الشعار الشائع "كلّن يعني كلّن".
كذلك إنّ الاجتماع الثاني بين رئيس "التيار الوطني الحر"، جبران باسيل، والحريري، في منزل الأخير، الأربعاء الماضي، لم ينته إلى ما يشير إلى اندفاعة في أجواء الوصول إلى حكومة ترضي الشارع الغاضب، وتطمئن البنك الدولي، وتوفر أجواءً من التهدئة، من شأنها الحد من تسارع الانهيار المقلق في البلد. وقد أثارت مداولات باسيل والحريري في أمر الحكومة استهجان المتظاهرين والناشطين اللبنانيين، ليس فقط لخروجها عن المواضيع الدستورية والأعراف اللبنانية التقليدية، بل لأنها توحي بأن باسيل يزاول دور رئيس الجمهورية بالوكالة، فيما يُجمع الثائرون على خروجه شخصياً من أي تشكيلة حكومية مقبلة، ويعتبرون ذلك من البديهيات التي لا تقبل أخذاً ورداً.
ومع بدء بروز أزمة محروقات في لبنان، وإقفال محطات وقود بسبب نفاد البنزين منها، ومع توضيح ممثل موزعي المحروقات، فادي أبو شقرا، أن 60 في المائة من محطات لبنان نفدت لديها المحروقات وأقفلت، وأن 40 في المائة مستمرة في البيع، يُضاف سبب جديد إلى دواعي القلق لدى اللبنانيين، مع امتناع المصارف عن تقديم أموال بالدولار للمودعين بمقادير كافية لعيشهم، ولتلبية حاجيات أبنائهم الذين يدرسون في الخارج، ولأمورهم المختلفة. وقد عبّر مواطنون تحدثت إليهم "العربي الجديد" عن ذعر يصيبهم إذا ما كان هذا الحال يعني الذهاب إلى ما هو أسوأ. وقد نقلت "رويترز" عن رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف، جورج الحاج، قوله إنّ زبائن يحملون أسلحة دخلوا إلى بنوك، وخشي حرّاس الأمن التحدث إليهم، "لأنه عندما يكون هناك أشخاص في مثل هذه الحالة، فإنك لا تدري كيف سيتصرّف الناس".
ومع أجواء عطلتي اليوم الأحد وعيد المولد النبوي غداً الاثنين، من المتوقع ارتفاع وتيرة فعاليات الاحتجاج الغاضبة على السلطة ومختلف تشكيلاتها، ولا سيما أن تباطؤ الحركة باتجاه تشكيل حكومة جديدة بمواصفات الحراك الاحتجاجي توفر مسوّغات قويةً للاستمرار في مسيرات الاعتصام والتظاهر، وانضمام قطاعات جديدة يوماً بعد يوم إليها. ومع اتساع القلق الذي يذهب إلى التشاؤم بفعل الحال الاقتصادي والمعيشي الصعب، وتأثيره بمرافق الصحة والنقل وغيرها، يصبح من غير المستبعد أن تستجد تطوراتٌ غير منظورة تماماً في الأيام القليلة المقبلة، والزائر الدولي الرفيع في بيروت، مبعوثاً من البنك الدولي، ساروج كومار جاه، يحذّر من المخاطر، ويستعجل الحكومة، والانتظار سيد المشهد المقلق في لبنان.