#الثائر
هل كنا بحاجة للإنتظار ثلاثين سنة ليعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري "ثورته التشريعية" لتحقيق مطالب المواطنين المحقة؟ ولماذا أطلقت هذه "الثورة" بعد عشرين يوما على بداية الحراك الشعبي وإعلان اللبنانيين "ثورتهم" على الفساد؟ وأين كان المجلس النيابي كسلطة تشريعية طوال السنوات الماضية؟ ولماذا تأخر إلى الآن في إقرار مشاريع قوانين موجودة في أدراجه؟ وهل كان لهذه "الصحوة التشريعية" أن تتحقق لولا حراك الناس وإطلاقهم "الشتائم" تحديدا وقطع الطرقات بشكل خاص؟
أعلن الرئيس بري تضامنا مع الثورة والثوار، لكنه أبدى تحفظا على مسألتين اثنتين، الشتائم وقطع الطرقات، فهل ثمة في العالم ثورة Cute أو ثورة Diet؟ في الأساس مفردة "ثورة" تعني الانقضاض على كل ما هو قديم وفاسد، وليس ثمة ثورة لا تحدث فيها قلاقل وتطلق شتائم وتقفل طرقات وتحرق مؤسسات، ليس ثمة ثورة جاهزة معلبة موضبة، لا ثورة أنيقة مهفهفة نضرة، فمن أُهين على مدى ثلاثين سنة وفقد عمله واعتل من تلوث هواء ومياه وحرق نفايات واستبيحت كرامته من مواكب المسؤولين، وانتظر ذليلا على باب زعيم ومسؤول لن يهتف بغير السباب، وفي الأساس تعلم الناس بعض مفردات السباب من السياسيين أنفسهم، وثمة قاموس فريد في "فن التشاتم والعراك بالأيدي".
مناصرو الرئيس بري مارسوا العنف على المعتصمين في "الرينغ" و"رياض الصلح" و"ساحة الشهداء"، وسمعنا منهم على الفضائيات مباشرة أقذع الشتائم، ولم يبدِ الرئيس بري امتعاضا وقتذاك، أو يصدر عنه بيانا شاجبا لمن اعتدوا باسمه على الشابات والشباب، ولا نتحدث هنا عن فض الاعتصامات بالقوة في قرى وبلدات الجنوب وإحراق الخيم وإهانة وضرب المعتصمين من قبل "حركة أمل"، وثمة ممارسات فاقعة تخطت بكثير شتائم المتظاهرين المرفوضة أساسا.
هذه المقاربة ضرورية للتأكيد أن ثمة مخاطر كبيرة تواجه لبنان، وهذه المقاربة أيضا لا تنتقص من أهمية إطلاق الرئيس بري هذه "الثورة التشريعية" غير المسبوقة في تاريخ لبنان، ولو جاءت متأخرة عقودا ثلاثة، ولا تنتقص كذلك من موقف الرئيس بري المتقدم والجريء والإستثنائي في لحظة استثنائية، خصوصا وأن تبنى ورقة المطالب الشعبية، ومضى متسلحا بصلاحياته الدستورية لعقد جلسات تحول البرلمان إلى خلية نحل لإقرار إقتراحات القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد، والرعاية الإجتماعية محددا دوام العمل في اللجان ومواعيد الجلسات العامة بدءا من الثلاثاء المقبل على أن يشمل جدول الأعمال: المرسوم المتعلق بقانون مكافحة الفساد، إقتراح قانون إنشاء محكمة للجرائم المالية قانون ضمان الشيخوخة إقتراح القانون المعجل المكرر المتعلق بالعفو العام.
خطوة جريئة للرئيس بري برغم الملاحظات وقد استعرضنا بعضها، فهل نشهد انفراجات مع بدء محاسبة الفاسدين؟