#الثائر
كتبت صحيفة "الشرق" تقول: وفي اليوم السابع لم يسترح. شعب الثورة لم يمل ولن يكل. الرهان على تعبه لتراجعه في غير محله. وكل وسائل الضغط التي تمارسها السلطة من محاولة الضغط على الاعلام لتقليص مساحات تغطية التظاهرات الى قرار وزير التربية اول امس بفتح المدارس وامس بوضع الجيش في مواجهة المتظاهرين لفتح الطرق عنوة لا تجدي نفعاً. لم يعد أمامه سوى الشارع وسيلة للتغيير، بعدما فقد الامل بسلطة تجلد مواطنيها كل يوم بلقمة عيشهم ومستقبل ابنائهم وتضعهم في مواجهة اخوانهم في المؤسسة العسكرية، فانتفض عليها على أمل اصلاح وُعد به منذ ثلاث سنوات وتغيير مأمول لم يجد منه سوى مناحرات وخلافات سياسية واستفزازات واتهامات بالتآمر.
التقاط انفاس بين اللبنانيين ترقباً للمقبل من تطورات، وما اذا كانت "جاذبية" الشارع ستفعل فعلها فيتحقق الحلم، ام ان وضعه في مواجهة الجيش في محاولة اخيرة لاسكاته ستخفض نبضه، فتستمر السلطة؟
ما يجري في الشارع يثبت بما لا يرقى اليه شك ان انتفاضة 17 تشرين ستبقى تنبض في اتجاه نهضة لبنان الوطن. فبعد الصليب قيامة.
في سابع ايام الانتفاضة الشعبية، تبدلت الصورة في الشارع. ففي حين لم تسجل منذ الخميس الماضي اي مواجهات بين الجيش والثوار، وفي وقت أكدت مصادر المؤسسة العسكرية مرارا على مر الايام الماضية، انها ليست في صدد فتح الطرق بالقوة عنوة، تبدّلت الصورة اليوم وانقلبت رأسا على عقب. فقد نزل الجيش برجاله وعتاده الى الشارع قبل الظهر، وعلى أجندته تنفيذ قرار واضح: فتح الطرق العامة واعادة السير الى طبيعته عليها.
من جل الديب الى الزوق وصولا الى غزير فجبيل، تكرر المشهد نفسه وإن بنسب متفاوتة. صدامات بين المواطنين وعناصر الجيش، منع الاعلام من التصوير، نسوة يبكين، رجال يصرخون، كر وفر بين المتظاهرين ورجال المؤسسة العسكرية، وبعض الاصابات المحدودة. غير ان المشهد عاد وهدأ بعدما رفع المعتصمون الصوت عاليا رافضين الاصطدام بإخوانهم في الجيش، وقد رددوا الاناشيد التي تحييه وتدعمه. وسجلت لحظات مؤثرة بين الطرفين، حيث ظهرت على الكاميرات دموع بعض العناصر العسكرية تنهمر حسرة خلال المواجهات، والتقطت العدسات ايضا حالات عناق حار بين بعض المتظاهرين والعسكر. ومواكبة لهذه التطورات، قرر الجيش ايضا اصدار موقف، في خطوة نادرا ما يلجأ اليها. فغرد عبر حسابه على "تويتر" متوجها الى المتظاهرين، قائلا "الجيش يقف إلى جانبكم في مطالبكم الحياتية المحقة، وهو ملتزم حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين واستغلالكم للقيام بأعمال شغب". واضاف: جنودنا منتشرون على الأراضي اللبنانية كافة على مدار الساعة لمواكبة تحرّككم السلمي وحمايتكم في هذه المرحلة الدقيقة وهم بين أهلهم. وتابع الجيش: لم نألُ جهداً في الأيام الماضية في التواصل مع كل الأفرقاء المعنيين للحؤول دون حصول احتكاك أو تصادم بين المواطنين.
من جانبها، اعتبرت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن ان الحل يكون بالسياسة وليس بالأمن، مؤكدة ان قوى الأمن لم تتلق أوامر بفتح الطرق، كما نفت ما اشيع مجددا عن تقديم استقالتها.
سياسيا، أفيد ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيخاطب اللبنانيين في اليومين المقبلين. أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فاعتبر خلال لقاء الاربعاء النيابي ان البلد لا يحتمل ان يبقى معلقا وابدى خشيته من الفراغ"، لافتا الى ان "بري وقع الموازنة وحولها للجنة المال والموازنة للبدء بمناقشتها واكد ان الظرف الراهن ملائم لقيام الدولة المدنية واقرار قانون انتخابات نيابية يعتمد لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية. واستقبل بري وفدا من الحزب التقدمي الاشتراكي.
الى ذلك، أحال رئيس مجلس النواب نبيه بري مشروع قانون موازنة العام 2020 والموازنات الملحقة الى لجنة المال والموازنة النيابية. من جانبه، عقد رئيس الحكومة سعد الحريري بعد ظهر اليوم اجتماعا في "بيت الوسط" مع وفد من جمعية المصارف برئاسة رئيس الجمعية سليم صفير ، تم خلاله تداول الأوضاع المالية والمصرفية والقرارات التي اتخذها مجلس الوزراء أخيرا في الورقة الإصلاحية. وكان استقبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعرض معه الأوضاع الاقتصادية والمالية العامة. على صعيد آخر، تابع الحريري التطورات الامنية في البلاد، فأجرى سلسلة اتصالات بالقيادات الأمنية والعسكرية واطلع منها على الأوضاع الأمنية في مختلف المناطق، مشددا على "ضرورة الحفاظ على الامن والاستقرار والحرص على فتح الطرق وتأمين انتقال المواطنين بين كل المناطق". وترأس الحريري ايضا اجتماعا للجنة الوزارية المكلفة درس الاصلاحات.
وسط هذه الاجواء، اصدر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان بيانا ناشد فيه المسؤولين على مختلف مواقعهم، النظر بإيجابية الى مطالب الشعب اللبناني الذي يئن متألما تحت أعباء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية، وما اسفر عن هذا التدهور من ارتفاع في مستوى البطالة وتراجع في المداخيل والخدمات الاجتماعية والصحية، مما أدى الى الانفجار.
دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون "المؤتمن على الدستور الى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات الملائمة بشأن مطالب الشعب فاستمرار شلل الحياة العامة في البلاد سيؤدي الى انهيار مالي واقتصادي ما يرتد سلبا على الشعب". وتوجه الى الشعب المنتفض في لبنان وبلاد الانتشار طالباً منه "ان يحافظ على سلميته ويمنع اي طرف من استغلال صرخته ويحولها حركة انقلابية ويشوه وجهها الديمقراطي". وناشد المجتمع الدولي "ان يؤدي دوره في دعم اول ديمقراطية نشأت في هذا الشرق ومساعدة لبنان في حل المشاكل". وبعد اجتماع طارئ عقده في بكركي مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان وبمشاركة المطارنة الأرثوذكس، قال الراعي "نحن المجتمعين هنا، ندعو إلى احتضان انتفاضة أبنائنا المشروعة وحمايتها، وإلى أن يتجاوب الحكم والحكومة مع مطالبها الوطنيَّة ومنها: حكمٌ ديموقراطي، حكومة ذات مصداقيَّة، قضاء مستقل وعادل، أداءٌ شفَّاف، حيادٌ عن الصراعات، تطبيق اللامركزيَّة الإداريَّة، بسط سلطة الشرعية دون سواها، مكافحة الفساد، وقف الهدر، استرداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، تأمين التعليم وفُرص العمل، توفير الضمانات الاجتماعيَّة لمختلف فئات الناس. هذه أبسط حقوق الناس بعد مئة سنة على نشوء دولتهم".
وقبيل الاجتماع، توّجه المطران الياس عودة للذين يطالبون بفتح الطرقات بهدف الذهاب الى العمل، متسائلاً: "هل كانوا يعملون في السابق؟" وقال المطران عودة "إن لبنان بقي من دون رئيس لسنتين ونصف، بجزر الماو ماو ينتخبون رئيسا للقبيلة بشهر". وتابع: "يتعللون بعلل الخطايا، ويخيفوننا اليوم من الفراغ". وختم "كفى استهتاراً بكرامة الناس"، مبدياً تخوفه من أن يقوم أحدهم بتقليص عزيمة الشباب اللبناني.
في غضون ذلك، إدعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون في قرار أصدرته على الرئيس نجيب ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه وبنك عوده في جرم "الاثراء غير المشروع" عن طريق حصولهم على قروض سكنية مدعومة، وأحالتهم امام قاضي التحقيق الاول للتحقيق معهم. واكدت مصادر قريبة من القاضية غادة عون ان "ملف ميقاتي تمت إحالته مباشرة من القاضية غادة عون الى قاضي التحقيق الأول في بيروت جورج رزق وفقاً لقانون الإثراء غير المشروع الذي يسمح بذلك ولا حاجة للمرور عبر المدعي العام التمييزي".
الرئيس أرجأ كلمته بانتظار اكتمال حراك اللواء إبراهيم
منذ صباح أمس الاجتماعات والاتصالات تواصلت من دون توقف بين بعبدا وبيت الوسط وعين التينة وكان اللواء عباس ابراهيم ينقل الرسائل بين الاطراف الثلاثة للخروج بتسوية او بتوافق ما لحل الأزمة.
وأشارت مصادر سياسية مطلعة الى ان من بين الخيارات المطروحة تطعيم الحكومة بأربعة وزراء جدد على خلفية استقالة وزراء "القوات" الأربعة.
الخيار الثاني: تعديل في التركيبة الحكومية، علماً أن هذا الأمر، في هذه الظروف، يتطلب استقالة الحكومة للوصول الى تغييرها وليس مجرَّد تعديلها. وهنا تبرز صلاحية رئيس الحكومة لأنه هو شخصياً يقدم استقالة الحكومة.
وفي المعلومات ان اللواء ابراهيم نقل، وينقل، الرسائل التي لا تقتصر على الرؤساء الثلاثة إنما هي تشمل أطرافاً أخرى حزبية وغير حزبية.
وفي المعلومات أيضاً أنَّ بين الحلول المطروحة تشكيل حكومة جديدة لا تضم وجوهاً توصف بالإستفزازية او تلك التي لا دور لها سوى الاعتراض.
ولفتت الأوساط المطلعة الى أن خطاب السيد حسن نصر الله الذي أكد فيه على التحسّن بالحكومة، تبدّل أمس بعدما تبين للجميع من دون استثناء حجم دماء الحراك الشعبي، وان المطالب الشعبية المطروحة هي مطالب نادى بها الرئيس عون منذ اعتلائه سدة الرئاسة، وقال بها أيضاً الرئيس الحريري منذ مدة. وهي تجلّت، أمس، في بيان المطارنة الذي سبقته اتصالات عدة أبرزها اتصالان بين الرئيس عون والبطريرك الراعي. الأول عشية اللقاء بين البطريرك والنائب ابراهيم كنعان. والثاني بعد صدور البيان واثر زيارة كنعان.
والاتجاه ان الرئيس عون لن يتوجه الى الشعب بكلام عاطفي، إنما بكلام واقعي يحمل حلاً.
يشار الى أنه كان متوقعاً ان يتكلم أمس إلاّ أنّه أرجأ اطلالته افساحاً في المجال أمام حراك اللواء عباس ابراهيم حتى يستكمل مساعيه، وأيضاً للتفاهم مع الرئيس سعد الحريري على تفاصيل ذات صلة بموضوع استقالة الحكومة و"طبيعة" الحكومة البديل.