#الثائر
لا يمكن لأي فريق سياسي أن يحدد سبل مواجهة الأزمة وأن يرسم معالم المرحلة المقبلة وفقا لتصوراته ورؤيته الخاصة، فلبنان اليوم يعيش واقعا دقيقا وخطيرا ويواجه لحظات مصيرية صعبة، ولا من يملي على الناس والقوى السياسية خارطة طريق متوعدا ومطلقا تهديدات "ناعمة" حينا ولا تخلو من مكابرة حينا آخر، واضعا في الوقت عينه خطوطا حمر متذرعا بأسباب وإن بدا بعضها منطقيا إلا أن طريقة عرضها فيها الكثير من الإستعلاء.
هذه خلاصة وقراءة أولية سريعة لخطاب أمين عام " حزب الله " السيد حسن نصر الله يوم أمس، وهنا ثمة ملاحظات كثيرة لا يمكن عدم استجلائها، وأولها يبدأ من البيئة الحاضنة للمقاومة، فقد جاءت الاجتجاجات لتؤكد أن جمهور المقاومة رفد الاحتجاجات بعشرات الآلاف من المواطنين، من بيروت إلى الضاحية والجنوب بسائر أقضيته وصولا إلى البقاع، ولم تنجح محاولات الإلتفاف على المحتجين في منطقتي النبطية وصور خصوصا، لا سيما وأنه سجل حضور مسلح ومحاولات لقمع المتظاهرين لكنها لم تفلح وعادت الاحتجاجات بقوة أكبر.
لا يعني ذلك أن هذا الجمهور انفضّ عن المقاومة، لكن ثمة معاناة وحالة من الغضب عبرت عن نفسها في لحظة تقاطع فيها وجع جميع اللنانيين، وهنا ثمة واقع مستجد دفع بيئة "حزب الله" الحاضنة للتعبير عن سخطها معيشيا، أخذا في الاعتبار أن الحزب هو مكون أساس من السلطة السياسية التي أوصلت البلاد إلى هذا الانهيار، وما يؤكد عدم قراءة هذا المستجد شيعيا، عندما جاء الرد سريعا من قبل الناس حين نزلوا بالآلاف إلى الشوارع والساحات عقب الخطاب مباشرة.
صحيح أن نصر الله أبدى دعمه لمطالب الناس وأحقيتها، لكن كمقدمة تمهيدية رفع بعدها نبرة خطابه، متبنيا موقفا لجهة دعم بقاء الحكومة والحؤول دون تطييرها، علما أن مثل هذا الأمر تخطته التطورات المتسارعة، ولا يمكن لحزب أو فريق سياسي أن يحدد شروطا في وقت بات التمسك بالحكومة مجلبة لأخطار كبيرة، خصوصا وأن الشارع يُبقي البلد مشرعا على احتمالات خطيرة سياسيا واقتصاديا وأمنيا، علما أن تطورات الشارع المتسارعة أسقطت رمزية الزعامات الطائفية، وبات لزاما على الجميع تبني مقاربات حديدة، إذ لم يعد ممكنا ترميم الواقع السياسي دون تبني تصورات واضحة تنطلق بداية من تفكيك منظومة التحاصص والتقاسم.
ومن ثم تحدث السيد نصر الله عن تراكمات أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم، فيما تمسكه ببقاء الحكومة يعني ضمنا حماية رموز كل تلك الحقبة، وهذا ما يثير العديد من الأسئلة في وقت لم ترتق القيادات السياسية كافة إلى مستوى المخاطر المحدقة!