#الثائر
- * " فادي غانم "
لم يشهد لبنان في تاريخه واقعا مأزوما يقارب العَطَب كما هو الحال عليه اليوم، ما يشي بأن ثمة أزمة أكبر من أن تكون سياسية واقتصادية، فنحن إزاء أزمة دولة، أزمة نظام ودستور تطاول الكيان بكل حضوره الأجوف والهش، وكنا في مَا مضى نلحظ نتائج هذه الأزمة في تفاصيل نافرة من على ناصية المشهد السياسي العام، فيما نراها اليوم مستحكمة، امتدت جذورها عميقا في تربة الفساد، بينما ثمة من يكابر عازيا ترسُّخ الفوضى إلى "مؤامرات" خارجية خبيثة، ولو صدقنا أن مثل هذا الأمر يقارب الصواب، فذلك لا يغير في الأمر شيئا، لأننا صدقنا مقولة "المؤامرات"، فمعنى ذلك أن لبنان بات ضعيفا إلى درجة يمكن أن يتأثر برياح خارجية بدأت تهدد حضوره وموقعه.
يخطىء من يعيد أسباب الأزمة اليوم إلى ظروف الحرب وتراكماتها فحسب، ولا إلى زمن الوصاية وما بعدها، وإنما إلى ذهنية الاستئثار السائدة من باب تناحر الطوائف، ما أفضى إلى ترهل الدولة لصالح أوهام القوة وهي تعصف بعقول الطوائفيين الممسكين بأوضاع لبنان تحاصصا وتقاسما لمغانم، وساعة تقل المغانم لطفر الدولة وإفلاس الخزينة تكثر النزاعات، فـ "القلة تولد النقار" وهذا المثل يصح أيضا على الدول لا على الجماعات والأفراد فحسب، فالنذر اليسير من نِعَمِ السلطة بات شحيحا إلى حد أننا أمام أزمة رغيف ومحروقات ودواء والحبل على الجرار.
كلما ارتفع منسوب خطاب "القوة" كلما تأكدنا كم بات لبنان ضعيفا لا حول له ولا قوة، وصراع الطوائف منذ "الطائف" إلى اليوم أفضى إلى التشرذم والإنقسام، خصوصا إذا كانت الخلافات غير محكومة بسقوف واضحة، بمعنى أن ثمة صعوبة في ضبط وتيرة الخلافات وتجاوزها، وتاليا حصرها في نطاق يُبقي لبنان في منأى عن تداعياتها، وهذا ما يعني أننا الآن نواجه تبعات ما اقترفت أيدينا، ونريد تحميل وزر هذا الواقع المتشظي لمنطق "المؤامرة" استسهالا وتعويضا عن الإقرار بفشل يتحمل تبعاته كل من هم في السلطة دون استثناء.
وما نشهد من تناحر وغليان يؤكد بما لا يقبل الشك بأن ليس ثمة من هو ضد لبنان أكثر من اللبنانيين أنفسهم، وساعة تعجز السلطة عن التوافق ولو من باب المحاصصة المذمومة فذلك مؤشر خطير نرى تبعاته وبعض تجلياته في واقعنا الاقتصاد بما هو ارتداد ورجع صدى لأداء سياسي لم يبلغ سن النضج، ولن يبلغ، طالما أن الكل يحاول شيطنة الآخر، ويدعي خطابا ملائكيا أقرب ما يكون إلى الثرثرة والهذيان!
*الحاكم السابق لجمعية أندية الليونز الدولية – المنطقة 351 (لبنان، الأردن، العراق وفلسطين)
*رئيس "جمعية غدي"