#الثائر
صحيح أن التعميم الصادر عن حاكم مصرف لبنان لتنظيم استيراد المشتقات النفطية والقمح والأدوية، والذي طال انتظاره، صدر أخيرا، ومن شأنه أن يساعد في الحد من الإحتقان المالي، وضخ جرعة من الأمل في مواجهة ما استجد من خاصرة الاقتصاد، إلا أنه ما زال من المبكر تقدير نتائجه المتوقعة وتأثيره المرتقب على مجمل الواقع الاقتصادي العام في البلاد، ومن هنا يبقى ثمة سؤال، هل سيساهم مثل هذا التعميم في تقليص الهواجس في السوق المالية وتراجع الطلب على الدولار؟
إلى الآن لا شيء واضحا، خصوصا وأن الأزمة الماثلة لا يمكن حصرها في الجانب المالي فحسب، ذلك أن تردي وتراجع الوضع الاقتصادي والمالي لا يمكن مواجهته بإجراءات تنظر حصرا في مَا آلت إليه أوضاع السوق المالية، وأي تدبير في هذا المجال ليس بأكثر من مسكن ظرفي، لأن الأزمة الأعمق تظل متمثلة في أداء السلطة السياسية، لا في تحميل التعبات لحاكمية مصرف لبنان حيال قلق المواطنين والمودعين، فضلا عن استسهال المعالجات للهروب إلى الأمام فيما السلطة لم تُقْدِمْ إلى الآن على إجراءات وتدابير حاسمة في موضوع مكافحة الفساد وتحديث الإدارة، ولا في التشدد بمواجهة التهريب والحد من الهدر، لا بل العكس تماما نجد أننا إزاء سلطة ما تزال تمارس البذخ وكأن ليس ثمة أزمة تستهدف البلد وتهدد بانهياره.
ومن هنا، فإن التحرك على الخط الاقتصادي النقدي وحده لا يكفي، على الرغم من أهميته، كما أن العمل على خط احتواء الأزمة قضائيا والذي تمثل بدعوة النائب العام التمييزي النيابات العامة كي تتشدد أكثر في ملاحقة كل ما من شأنه زعزعة الثقة بالنقد اللبناني تزامنا مع تعميم نصوص مواد من قانون العقوبات تجيز ملاحقة مرتكبي جرائم النيل من المكانة المالية للدولة ليس بأكثر من مهدئ، انطلاقا من أن ما شهدناه مؤخرا من تطورات درامية اقتصاديا وماليا هو نتيجة لسوء أداء السلطة على مستوى سائر القضايا والملفات والأزمات الحاضرة على مجمل واقعنا السياسي المأزوم.
وتاليا، فإن مثل هذا التعميم القاضي بتفعيل مواد في قانون العقوبات حول عن النشر والإساءة إلى السمعة المالية والنقدية، لن يؤتي ثمارا فيما الوضع الاقتصادي برمته سيء السمعة، لا سيما مع استمرار البطالة وإقفال المؤسسات وصرف عمال وتهجير الكفاءات العلمية والفنية... الخ، ويخطىء من يصور الأمر على أنه أزمة اقتصاد، فالدولة لا تقاد بتوجهات تراعي خواطر "حراس الطوائف" ومصالحهم!