#الثائر
أكد النائب ابراهيم كنعان "السياسة الإقتصادية التي غابت عن الموازنات سابقاً هي الأهم، لأنها تحدد الأهداف لتكون الموازنة وسيلة تحقيقها"، وقال عشية وصول موازنة العام 2020 الى المجلس النيابي "لا ينتظر أحد منّا كنواب معنيين بالرقابة البرلمانية أن نساير احداً او تمر الموازنة في المجلس النيابي مرور الكرام، لأن ذلك لن يحصل وسنمارس دورنا للنهاية، واتمنى أن لا يعاد فيثار أي شيء مما قيل في بداية مناقشة موازنة 2019، وعلى المسؤول في السلطة التنفيذية ان يتعاطى مع المجلس النيابي كسلطة تقوم بواجباتها، وليست مجرّد مجموعة كتل تترجم التفاهمات الكبيرة تسقط عليها، لأن ذلك ضربة قاتلة للنظام الديموقراطي والرقابة الفعلية التي تؤدي الى اصلاح فعلي في لبنان".
اضاف " بعد النقاش الذي حصل في المجلس النيابي، والتخفيض الذي توصلت اليه لجنة المال والموازنة الى 580 مليار مما كان يوصف بالمحميات غير الخاضعة للرقابة من صناديق وهيئات، لا من جيوب الناس، يقول البنك الدولي انها المرة الأولى في الشرق الأوسط الذي يشهد فيها نقاشاً عميقاً، شكّل خطوة أولى على طريق استعادة الثقة بالنظام اللبناني الإقتصادي والمالي. وبالتالي، فلمصلحة الحكومة والمجلس والدولة بأن نستمر بهذه الوتيرة، وان تكون لنا وقفة مع موازنة 2020 من منطلق الاصلاحات المطلوبة، لا الأجندات السياسية لأي كان".
كلام كنعان جاء خلال لقاء حواري بدعوة من اللجنة الاقتصادية في الرابطة المارونية، بمشاركة أعضاء المجلس التنفيذي في الرابطة، تناول وضع مالية الدولة وسائر الشؤون والقضايا الوطنية.
بداية، كانت كلمة ترحيب من رئيس الرابطة النائب السابق نعمة الله أبي نصر توجّه فيها الى النائب كنعان بالقول "نرحّب بكم في الرابطة المارونية، التي تنتمون إليها وتتواصلون معها في الإستحقاقات الوطنية والمسيحية مبدين التّجاوب مع مبادراتها، خصوصًا تلك التي كانت ترمي إلى تحقيق وحدة الصفّ والموقف، من القضايا المصيرية، والتّوازن الوطني والتكافؤ في إدارات الدولة ومؤسّساتها، إنطلاقا من الثوابت الميثاقية التي نصّ عليها الدستور ووثيقة الوفاق الوطني."
اضاف "إنّ موقعكم في رئاسة لجنة المال والموازنة البرلمانية، هو في غاية الأهمية، وهو يُلقي على كاهلكم مسؤوليات أنتم لها، خصوصًا في هذا الزمن الذي تعاني فيه خزانة الدولة، مديونية فاقت كلّ التّوقعات، في ظلّ فسادٍ مستشرٍ وإنفاق غير مجدٍ، مع زيادة بالمديونية العامّة ممّا يعني أنّ الأمور تسير نحو الأسوء، إن لم نتدارك الأمور وننقذ ما يمكن إنقاذه".
وتابع : "تعاملتم وتتعاملون مع الموازنة بمنطق إصلاحي، بهدف إعادة الإنتظام إليها لجهة صدورها في مواعيدها، مقرونةً بقطع الحساب، كما محاولة توظيفها لتكون في خدمة الإنماء المتوازن بوجه سياسات التّمييز بين منطقة وأُخرى وبين مواطن وآخر بدليل، موقفكم الشجاع والمحق بالأمس في المجلس النيابي حول وقف المشاريع الإنمائية العائدة لمنطقة المتن وجبل لبنان".
وقال ابي نصر "الليلة يسرّنا أن نستضيفكم في الرابطة المارونية بحضور المجلس التنفيذي، وأعضاء اللّجنة الإقتصادية، للتّداول في الأوضاع المالية، وفي وضع المسيحيين عمومًا ووضع الموارنة خصوصًا في إدارات الدولة وأجهزتها، ولمعرفة ما آلت إليه ورقة التّفاهم بين الحزبين المسيحيين الكبيرين والتي بذلتم مع الوزير ملحم الرياشي جهدًا كبيرًا لتحقيقها؟! هذا الموضوع يهمّنا لأنّنا رابطة مسيحية مارونية تجمع ولا تفرّق. كذلك للسؤال عمّا آلت إليه بعض القوانين لا سيما مشروع قانون الإرث لغير المحمديين، واقتراح القانون الرامي إلى تخصيص يوم لذكرى المجاعة الكبرى أو ذكرى مآسي وويلات الحرب الكونية الأولى على لبنان. وأخيراً، العمل على تأمين المبالغ الكافية لتطبيق قانون إنشاء محافظة كسروان جبيل".
كلمة كنعان
واستهل كنعان كلمته بشكر الرابطة على دعوتها، لهذا اللقاء، معتبراً ان موضوع النقاش "يكتسب هذا أهميّة خاصّة لِكَوْنِه أحَدِ المؤشِّرات على مدى الالتزامِ بإعادةِ المالية العامَّةِ إلى كنف الدستور والقانون، ولكونه أحَد مُقَوِّمات الإصلاح الماليِّ والاقتصاديّ، وأحَد مفاتيح الولوج إلى تنفيذ مقرَّرات مُؤتمر سيدر".
واشار كنعان الى أن "موازنة العام 2020 ليستْ مشروعاً مُستقلّاً عن الظُروف الاقتصاديَّة والماليَّة التي يعاني لبنانُ منها: فالناتِج المحلِّيّ المُقَدَّر بـ /89.935/ مليار ليرة لعام 2019، انخفض تقديرُه إلى /89.298/ مليارَ ليرةٍ لعام 2020 ما يعني حُصول انكماش اقتصاديّ وَعدم حُصول أيّ نمو"، ولفت الى أن "معدّل التضخُّم الذيْ كان مُقدَّراً بـ 1,75% في العام 2019 ارتفع تقديره إلى 2,8% في العام 2020"، كما اشار الى أن "ميزان المدفوعات يعاني منْ عجز مُزمن، إلَّا أنّ عجزه ارتفع في الآوِنَة الأخيرةِ إلى حوالي 1,3 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى منْ هذه السنةبِ بحسب مصرف لبنان، ومنهم من يقول أنه ارتفع أكثر من ذلك، وأنَّ مصرف لبنان اعتمد منهجيَّةً معد!لة لاحتسابه".
واعتبر كنعان أن "العجز الأكبر هو في الميزان التجاريّ حَيْث يصل إلى أكثر من 15 مليارِ دولارٍ سنويّاً، ويمثّل الفرق بين الصادرات المُقَدَّرة بـ 3 مليار دولار والواردات المُقدَّرة بـ 18 مليارَ دولار. وهذا إنْ دل على شيء فعلى عِدَّةِ أسباب نُوجِزُها كما يليْ:
السلوكُ الاستهلاكيُّ عندَ اللبنانيِّينَ حيثُ يُفضِلونُ البضائعَ الأجنبيَّةَ على البضائعِ المُنتَجَةِ محلَّيَّاً.
عجزُ الإنتاجِ المحليِّ عنْ سدِّ حاجةِ السوقِ إلى السلعِ.
غيابُ الاستثماراتِ في الإنتاجِ المحلِّيِّ، من جرَّاءِ ارتفاعِ الفوائدِ على القروضِ المصرفيَّةِ من جهة، ولتفضيلِ القطاعِ المصرفيِّ توظيفَ ودائعِهِ بطريقةٍ بعيدةٍ عنِ المخاطرِ، فيُوظِّفُها في سنداتِ الخزينة.
غيابُ التصنيعِ الزراعيِّ وعدمُ اعتمادِ التقنيَّاتِ الحديثةِ في الإنتاجِ الزراعيِّ، مِمَّا يرفعُ كلفتَهُ ويَحِدُّ من قدرتِهِ على المُنافسة.
غيابُ حمايةِ الإنتاجِ اللبنانيِّ الصناعيِّ منهُ والزراعيِّ، لا بلْ عقدُ اتفاقيَّاتٍ تجاريَّةٍ مُجحفَةٍ بحقِّ الإنتاجِ اللبنانيِّ.
ارتفاعُ كلفةِ الفاتورةِ النفطيَّةِ الإجماليَّةِ إلى 3,5 مليارِ دولارٍ سنويَّاً.
إقفالُ طُرقِ التصديرِ العربيَّةِ منْ جَرَّاءِ الأزمةِ السوريَّةِ المُتَمَادِيَةِ منذُ العامِ 2011.
واعتبر كنعان ان فائض الصلاحيات الغى الاصلاحات لسنوات واستعرض كنعان الصعيد الماليّ، بمُقارَنة مشروع موازنة العامِ 2020 بموازنةِ العامِ 2019، حيث ارتفعتْ خدمةُ الدينِ العامِّ من 8.312 مليارَ ليرةٍ إلى 9.195 مليارَ ليرةٍ أيْ بزيادةِ 883 مليارَ ليرة، وارتفعَ العجزُ الناتجُ عنِ الفرقِ بينَ الوارداتِ والنفقاتِ من 4.322 مليارَ ليرةٍ إلى 5.090 مليارَ ليرةٍ أيْ بزيادةِ 768 مليارَ ليرة، وارتفعتِ المعاشاتُ التقاعديَّةُ وتعويضاتُ الصرفِ منَ الخدمةِ منْ 2.981 مليارَ ليرةٍ إلى 3.283 مليارَ ليرةٍ أيْ بزيادةِ 302 مليارِ ليرة، وانخفضتْ الاعتماداتُ المُخصَّصةُ للإنفاقِ الاستثماريِّ من 1.456 مليارَ ليرةٍ إلى 1.403 مليارَ ليرةٍ أيْ بِنَقصٍ بلغَ 53 مليارَ ليرةٍ، مِمَّا يعنيْ انكماشاً أكبرَ في الاقتصادِ، يقودُ حتماً إلى تدنِّيْ وارداتِ الدولةِ الذاتيَّةِ وتَقلُّصِ فُرصِ العمل، وانخفضتْ سلفةُ الخزينةِ المُقَرَّرُ إعطاؤُها إلى مؤسَّسةِ كهرباءِ لبنانَ منْ 2.500 مليارِ ليرةٍ إلى 1.500 مليارِ ليرة. ولولا هذا الانخفاضُ لارتفعتْ نسبةُ العجزِ إلى الناتجِ المحليِّ المُقدَّرَةُ في موازنةِ العامِ 2020 من 7,38% إلى 8,50%".
وشرح كنعان انه اورد هذه المؤشرات المالية والإقتصادية "لا لأُعطي صورة مُتشائمة عن الأوضاع، بل لِأُدَلِّل على حجم المُشكلة التي سيَتِمُّ درسُ ومناقشةُ مشروعِ موازنةِ العامِ 2020 في ضوئِها منْ جهة، ولأذكّر الذين مازالوا يعتقِدونَ أنَّ وقتَ مُواجهة الحقيقة لم يَحِنْ بَعْد بِأنَّهُمْ واهِمون من جهةٍ ثانية".
وأكد كنعان انه متفائل بالخروج من الأزمة بشرط المبادرة الى المعالجة منذ الآن وبصورة فورية، مورداً وسائل المعالجة التي ذكّر بأبرزها ويتمثّل بخمسينَ توصيةً أصدرَتْها لجنةُ المالِ والموازنةِ بنتيجةِ درسِ مشروعِ موازنةِ العامِ 2019، وبإعادةِ النظرِ بحجمِ القطاعِ العامِّ المقرَّرةِ منذُ العامِ 2017 بمُوجِبِ قانونِ سلسلةِ الرتبِ والرواتب، وأُعيدَ تأكيدُها في قانونِ موازنةِ العام 2019، وبإقامة الحكومة الإلكترونيَّةِ التيْ تَحِدُّ منْ تَمَاسِّ المواطنِ معَ الموظَّف، وَتَحِدُّ بالتاليْ مِن الرشوة والفساد، وتُساعِدُ على إلغاء بعض الوظائفِ التي تَنتَفي الحاجةُ إليها. وهنا أُذَكِّر بأنَّ تمويل هذا المشروعِ مُؤَمَّنٌ منْ قِبَلِ البنكِ الدوليِّ بقيمةِ 100 مليون دولار ويُمكن المباشرة بهِ في فترةٍ وجيزةٍ هِيَ الفترةُ اللازمةُ لإقرارِ اتفاقيَّةِ القرض".
ومن سبل المعالجة التي اوردها كنعان أيضاً "إعادة النظر ببعض المساهَمات المُقدَّمَة إلى بعضِ الجمعياتِ والهيئاتِ، أوْ وضع معايير واضحة لمنحِها، ومُراقبة إنفاقِها فيْ تحقيقِ الغايةِ التيْ أُعْطِيَتْ منْ أجلِها، وبإعادةِ النظر بتَخصيص الاعتمادات للتجهيزات والصيانة والمراقبة، وبإعادة النظر بالمؤسَّسات التي لا تعمل، وبإعادةِ النظر بالنظام التقاعدي، وبتخفيض كلفة فاتورة المحروقات، وبالتالي كلفة دعم مؤسسة كهرباء لبنان بالذَهَاب إلى الغاز بديلاً عن المحروقات العاديَّة من بنزين ومازوت وفِيول أويل، وبمكافَحَة التهرُّبِ الضريبيِّ والتهريبِ الجُمركي، وبتطبيق خُطَّة الكهرباء دون مُناكفات كبَّدتْنا منذ التاريخ الذي كان مُتوقَّعاً لإنجازها في العام 2014، أكثر منْ عشرةِ ملياراتِ دولار، وبالتالي بإعادة النظر بتعرفة مبيع الطاقة الكهربائيَّة بالاستنادِ إلى كلفةِ إنتاجِها".
كما اعتبر كنعان ان من سبل المعالجة "التَرَفُّع عن حساباتنا السياسيَّة والعمل على حلّ مشكلة النازحين السوريِّين بأقصى سرعة مُمكنة، وبوضع قانونِ الشراكة بين القطاعَيْن العامّ والخاصّ مَوضعَ التنفيذ، وبإعادةِ النظرِ بالنظامِ الضريبيِّ القائمِ على الضرائبِ النَوعِيَّةِ وإقامةِ نظامٍ ضريبيٍّ قائمٍ على الضريبةِ المُوحَّدَةِ على المَداخيلِ، مِمَّا يُحقِّقُ العدالةَ والمساواةَ بينَ المُكلَّفين، وبإعادةِ النظرِ بتَركيبة النظام الاقتصاديّ اللبنانيّ القائم على الريعِ الناتِج عنِ الخدمات. فلبنانُ لمْ يَعُد مستشفى الشرقِ وجامعةَ الشرقِ وسياحةَ الشرقِ ومرفأ الشرقِ ومصرفَ الشرقِ، وتطوير هذا النظامِ باتجاهِ نظامٍ قائمٍ على الإنتاجِ، لاسيَّما على صعيدَي القطاعَيْن الصناعيّ والزراعيِّ، معَ الإبقاءِ طبعاً على ما هوَ قائمٌ على صعيد الريع وتطويره".