#الثائر
– أنور عقل ضو
مرات كثيرة أشرنا من على منبر "الثائر" althaer.com أن ثمة متغيرا إقليميا ودوليا يجب قراءته والبناء عليه بعيدا من الذاتي من مواقف وتصورات، أي خارج حدود تمنيات لا تصرف عادة في السياسة من قبل هذا الفريق أو ذاك، أخذا في الإعتبار أن أي توجه سياسي إقليمي أو دولي يبقى توجها براغماتيا في حدود بعيدة، والبراغماتية ليست نقيصة وإنما هي توجه فلسفي نقيض للمثالية، إلا إذا تخطت سقفا معينا، كأن تقوم على أساس استغلال الدول واحتلالها وقمع شعوبها ونهب ثرواتها، عندها تتحول البراغماتية آفة ومفسدة على غرار ما شهدنا سابقا ونشهده اليوم على مستوى السياسة الأميركية، وأكبر تجلياتها ما تتبناه الإداراة الأميركية من توجهات لا تراعي قيمة الإنسان في دول العالم الثالث، فضلا عن استعداد الولايات المتحدة لـ "حرق العالم مناخيا" لتأمين مصالحها وتحقيق رفاه شعبها ولو أدى الأمر إلى تفاقم ظاهرة الإحتباس الحراري على سبيل المثال.
من هنا، سياسة الدول براغماتية بالضرورة، بمعنى السعي إلى تحقيق أهدافها ومصالحها، فضلا عن أن العالم محكوم دائما بتوازنات إن اختلت تكون مجلبة لكوارث إنسانية، وهذا ما شهدناه عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، يوم ساد الاعتقاد أن العالم دخل العصر الأميركي، وثمة منظرون وفلاسفة أميركيون اعتبروا أن "نهاية التاريخ" حلت لتعلن انتصار النموذج الرأسمالي قبل أن تطيح بهذه النظرية الأزمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدة ودول الغرب خصوصا فضلا عن سائر دول العالم، والمسألة أكثر تعقيدا من شرحها بعُجالة، لكن ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن اختلال التوازن أدى إلى كوارث كثيرة شهدها العالم، مع الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة من السودان (استهداف مصتع أدوية) إلى أفغانستان ويوغسلافيا والعراق وسوريا والقائمة تطول وسط ما نشهد اليوم من نتائج غياب التوازن إياه، وسط حروب مستمرة في أكثر من دولة.
ما استوقفنا في هذا المجال ما نقلته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية عن "مصدر روسي رفيع" ذكر أن روسيا منعت هجمات إسرائيلية على مواقع للجيش السوري وأخرى على الأرض اللبنانية، مهددة بإسقاط المقاتلات الإسرائيلية في حال ضربها أهدافا بلبنان وسوريا، وأفاد المصدر الروسي بأن مثل هذا الأمر حصل مرتين خلال الفترة الأخيرة، بحسب الصحيفة ذاتها، وحيال هذا الأمر اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى زيارة روسيا على وجه السرعة، لمحاولة إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاستمرار في سياسة "غض النظر" عن هجمات إسرائيل في سوريا، إلا أن بوتين بقي على مواقفه.
من هنا نجد أن ثمة ضرورة لمقاربة لبنانية جديدة لهذا التطور، كي لا يضيع لبنان مرة جديدة بين محاور إقليمية ودولية، ما يتطلب تبني سياسة براغماتية لبنانية تقدم مصلحة لبنان دون التخلي عن ثوابته وحقوقه، وألا يكون ساحة كما هو اليوم!