#الثائر
الزعامة انقرضت كفكرة ومصطلح في دول العالم المتحضر، فلم نسمع يوما الفرنسيين ينادون إيمانويل ماكرون بـ "الزعيم"، فقط هو في عرفهم "السيد الرئيس"، وكذلك الأمر في سائر الدول المؤنسَنة بالعلمانية لا بالأديان، فالأديان على مستوى الوعي الجمعي لا تؤنسن، لأنها اعتقاد إيماني بين الإنسان والخالق، وليس ثمة "زعماء" إلا في الدول الثيوقراطية والتوتاليتارية، من عصور غابرة إلى زمن الديكتاتوريات البائدة.
أما في لبنان، فأقصى المتاح والموجود سابقا وراهنا "زعيم طائفة"، ففي نظام فريد ومتفرد لا مثيل له في العالم، لا يمكن توصيف "الزعامة" وتحديدها بأكثر من التسيّد على جمهور طائفة ومذهب، ومن يراهن على زعامات خارقة للطوائف فتلك مزحة، وسمجة أيضا، ثمة "زعامة" مطعمة وطنيا وعلى التباس في كثير من الأحيان، وهناك حول بعض "الزعامات" مسؤولون من طوائف أخرى لنصدق أن ثمة توجهات وطنية علمانية متكئة على إرث فكري وثقافي، ومثل هذا الأمر يصنف في خانة "الديكور" لإسباغ بعض الوطنية الغائبة والمغيبة لصالح الطوائف، جماهير ومسؤولين وزعامات.
لا نقول بأن ليس ثمة "زعامات" حقيقية في لبنان، أي تلك المستمدة شرعيتها من جمهور طوائفها، والإنتخابات النيابية الأخيرة أظهرت بالأرقام من يمثل حيثية على مستوى طائفته، لكن بعيدا من مفهوم "الزعامة" المندثر، ولا مشكلة في هذا المجال طالما أن الناس ارتضت ممثليها واختارتهم بمحض إرادة، ولو أن قانون الانتخاب الهجين بين النسبي والأكثري أبقى المجال مشرعا للرشى الانتخابية، ليس بالضرورة رشى مالية، وإنما يمكن أن تكون الرشوة عبارة عن وظيفة وخدمة وتعبيد "مدخل البيت".
ما يغيظ في هذا المجال ما هو مرتبط "بزعامات" ضامرة، لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، وهي لزوم ما لا يلزم على المسرح السياسي الداخلي، بدليل لو أنها لو مكثت في البيت فلا أحد يسمع بها أو يفتقد حضورها، والأنكى أن مثل هذه الزعامات قابلة للنفخ إلى حد "الانفجار"، وهي موجودة في كل الطوائف وتبحث عن حصة وسط فتات ما يتركه الكبار (في طوائفهم).
مصيبتنا في لبنان تظل متمثلة في حقيقة صادمة، وهي أنه ما تزال تعيش بين ظهرانينا "زعامات" من "كرتون" أو "زعامات" من ورق، ومن نوع هش وغير مقوّى أيضا، وهذا النوع من "الزعامات" قابل لإعادة تشكيله حسب الطلب، نوع من إعادة التدوير لاستخدامات سياسية كثيرة، أي أن فائدتها مقتصرة على قابليتها لتكون طيِّعة وهي تستجدي موقعا، أو تتقصد خدمة ترفد "الزعامة" المتهالكة بقليل من أسباب "القوة"!