#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
في الثاني من شهر آب الحالي، انسحبت الولايات المتحدة الاميركية من معاهدة الصواريخ المتوسطة المدى، الموقّعة مع روسيا، لتعلن بعد اسبوعين، عن تجربة ناجحة لصاروخ بالستي، بلغ هدفه بدقة بعد اجتياز مسافة ٥٠٠ كلم، كان يجري العمل عليه منذ عام ٢٠١٧. وقبلها كان قد تم الإعلان عن انفجار محرك صاروخ روسي خلال التجربة، يعمل بالوقود السائل، بالقرب من مدينة سفيرودفينسك، نتج عنه ارتفاع منسوب الإشعاع في المنطقة. مما دفع الخبراء الى الاعتقاد ان روسيا تحاول زيادة سرعة الصواريخ البالستية، باستعمال الوقود الذي يحتوي نظائر مشعة. ويُذكر ان روسيا قد بلغت مستوى متقدم جداً في هذا المجال، حيث باتت تملك صواريخ افانغارد، بسرعة تفوق عشرين مرة سرعة الصوت، مما يجعل منظومة الدفاع الاميركية، غير مجدية في مواجهتها. فالصواريخ الاميركية لا تتجاوز سرعتها خمس مرات سرعة الصوت، اي خمسة ماخ فقط، وهي غير كافية طبعاً لملاحقة وإسقاط الصواريخ الروسية الحديثة.
بعد الاتهامات الاخيرة المتبادلة بين اعظم قوتين عسكريتين في العالم، يبدو انه لا مفر من سباق تسلح جديد، دخلت على خطه دول جديدة هذه المرة، كالصين والهند والمانيا وغيرها، ومن الواضح ان الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم، قد تجد متنفساً لها من خلال تجارة الاسلحة، التي يُقدّر حجمها السنوي بأكثر من ١٥٠٠ مليار دولار، وتحتل المرتبة الاولى بين السلع المتداولة عالمياً، وتُنفق الولايات المتحدة حوالي ٦٨٤ مليار دولار سنوياً على الامن والدفاع. وتُعطي هذه الأرقام صورة واضحة عن الأهمية الأقتصادية لهذه التجارة، وسعي بعض الدول الى استمرار النزاعات والحروب في عدة أماكن من العالم.
حاولت الولايات المتحدة تدمير الصناعات العسكرية الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، الذي كان يستحوذ على نسبة 25% من بيع الطائرات المدنية، و40% من تجارة الطائرات العسكرية في العالم، وقد نجحت في ذلك حتى عام 2000، لكن مع وصول الرئيس فلاديمير بوتين، بدأت مرحلة النهوض في الصناعات العسكرية، فتم دمج عدة شركات في الشركة الاتحادية لصناعة الطيران، وسعت روسيا الى اعادة إثبات تفوقها في هذا المجال، معتبرةً ان هذا الموضوع يرتبط بالامن القومي، وهيبة روسيا الدولية .
ستُقيم روسيا في 27 اب (اغسطس) الحالي اضخم معرض لصناعة الطيران، بالقرب من العاصمة موسكو، وسيتم عرض 92 نوعاً من الطائرات، ويستمر المعرض حتى الاول من ايلول، يتخلله عدة عروض جوية لاحدث الطائرات في العالم، وسيكون المعرض مفتوحاً للجمهور. وبالطبع سيكون الرئيس الروسي بوتين حاضراً في الافتتاح، ومن اللافت جداً مشاركة الصين في هذا المعرض، على مساحة اكثر من ثلاثة آلاف متر مربع، باحدث صناعاتها ايضاً .
ستكون طائرة سو - 57 المتفوقة نجمة العرض طبعاً ، فهذه الطائرة تتفوق على مثيلاتها الاميركية من أف -22 و أف -35، بحيث بلغت سرعتها 2600 كلم/س مقابل 1931 كلم/س لطائرة أف -35، وهي تتفوق ايضاً في مدى الطيران والقدرة على المناورة، وعدد الصواريخ، التي تمكّنها من التعامل مع 16 هدف في وقت واحد، واكتشاف الأهداف المعادية على مسافة تصل الى 400 كلم. وقد انتجت الصين ايضاً نموذجاً جيداً من الجيل الخامس، وهي طائرة الشبح جيه-31، ولكنها بقيت متأخرة عن سو-57، التي تُشكّل قمة التطور التقني العسكري في العالم .
اما بالنسبة للطائرات المدنية، فسيتم عرض طائرة متوسطة المدى، نوع MC-21 الحديثة، التي تتميز بتقديم الرفاهية العالية على متنها للركاب، مع تأمين اتصال دائم لهم بشبكة الانترنت، وزيادة نسبة الأمان، اضافة الى خفض نسبة استهلاك الوقود والضجيج. وكذلك سيتم عرض طائرة ايرباص المصنعة في روسيا، وعدة انواع من الطائرات ، مثل امبراير ERJ195E2 والطائرة الصينية الروسية الصنعPC-24، وكذلك أعلنت شركة بوينغ انها ستوقع عدة عقود اثناء المعرض مع الشركات الروسية.
إن معرض MAKC-2019 سيشكل اطلاق التحدي الجديد امام اهم شركات الطيران في العالم، لصناعة طائرات المستقبل، وفرصة لعرض تفوق الصناعات الروسية في مجال الطيران العسكري والمدني، وملامح تشكُّل أحلاف جديدة في هذه المنافسة، خاصة ان الولايات المتحدة، التي تملك سبع شركات من ضمن اكبر عشر شركات في العالم لصناعة الطيران، قد وجدت نفسها متأخرة بقرابة عشر سنوات عما حققه التعاون الروسي الهندي والصيني في هذا المجال، فيما لو تمت المقارنة بين طائرتي سو -57 الروسية وطائرة أف -35 الاميركية، وهذا ما بات يُنذر بسباق تسلح جديد في العالم، بدأت طلائعه مع استأناف تجارب اطلاق الصواريخ البالستية، ولن ينتهي في معرض موسكو للطيران، وستكون كلفته باهضة على الجميع.