#الثائر
كم كان أجدى على السلطة السياسية مجتمعة لو أنها استشرفت سابقا وراهنا أزمة النفايات القادمة على موج الكوارث والفضائح والتلوث والروائح، من محرقة العمروسية (1997) إلى مطمر الناعمة (1998) وصولا إلى "الكوستابرافا" (2016)، بدلا من أن تتفرغ لعرض العضلات وتدبير المكائد وإطلاق بوق السجالات وفتح الدفاتر السجلات، ويا ليتها تفرغت لملاقاة أزماتنا بعزم وثبات، أقله منذ أن قررت ردم البحر وكسب أراض لصالح زيادة مساحة لبنان لتغدو أكثر من 10452 كيلومترا مربعا، لا نعرف إلى الآن وجهة استخدامها، وإن كان ثمة توجه ضمني لاقتسامها بالعدل والقسط في محاصصة وطنية، بحسب ما ألمح إليه بعض "عباقرة الحلول الهدامة" على حساب البيئة والإستدامة، وبينهم من أغرى بلديات للقبول بردم بحرها، وكان ما كان.
وبحسب المهتمين والمتابعين للشأن "النفاياتي" العام، فثمة أزمة بدأت تلوح من الآن ويبدو أنها ستطل علينا في أفق نهاية الشهر الجاري، وثمة من بدأ يتحدث عن "تسونامي نفايات" في عز الصيف، وبدأنا بالفعل نشهد "بروموهات" أو "جينيريك" لمسلسل بدأت طلائعه بالظهور وسط موجات متعاقبة من نفايات "فالتة" تجتاح أربعة أقضية في محافظة لبنان الشمالي.
وبالتزامن، يستعد أهالي ضاحية بيروت الشمالية لـ "تسونامي" أيضا مع توقعات بفيضان مكب برج حمود الذي استنفد قدرته الإستيعابية بمئات الأطنان من النفايات العشوائية، ما يعني أننا سنكون أمام أزمة مستعادة، أي يوم تصدرت النفايات شوارع العاصمة بيروت وضواحيها، وفاضت من المستوعبات وارتفعت تلالا وجبالا في أحيائها، لكن ماذا عن الحلول المقترحة؟ حتى الآن ليس ثمة ما يشي بأننا قادرون على تخطي الكارثة بتبعاتها "السياحية" والبيئية والصحية.
شمالا، وبحسب ما تم تداوله من معلومات، فإن المواطنين عقدوا العزم على التحرك والإعلان عن يوم غضب عارم عبر النزول إلى الشارع يوم بعد غد الجمعة، احتجاجاً وشجبا للواقع البيئي القاتل الذي يتهددهم نتيجة تراكم وتكدس النفايات، في ظل عجز المسؤولين عن توفير حلول قابلة للحياة، خصوصا وأن ثمة وقتا مستقطعا (ثلاث سنوات) لم تتحرك خلاله الدولة لإيجاد حل علمي وعملي انطلاقا من تبني خطة وطنية استراتيجية للإدارة المتكاملة للنفايات المنزلية الصلبة.
صحيح ألا حلول آنية إلا بتبني الخطة المؤقتة المقترحة من وزير البيئة فادي جريصاتي باعتماد مكب في تربل، لكن من يطمئن الناس فيما مطمر الناعمة شكل نموذجا كارثيا قضى على مناطق واسعة في قضاءي الشوف وعاليه، حتى غدت الأراضي دون قيمة، فمن يستثمر ويبيني في أرض موات؟
كل الخوف أن يكون "تسونامي النفايات" المرتقب مقدمة للحلول الأسهل والأخطر والأكثر كلفة على صحة اللبنانيين، أي المحارق كخيار وحيد متاح، وهنا الطامة الكبرى!