#الثائر
لا، توقفوا، ومهلا، لم يقل الشارع كلمته بعد، و"ثورة" قدامى المحاربين وجمهور المجتمع المدني يوم أمس هي "بروفة" عفوية أولى لا أكثر، الناس تتهيأ، تراقب، ولم تقل كلمتها بعد على نطع وسيف، المقصلة قادمة ومنطق التاريخ أصدق، أصدق بثورة الجياع المستباحة كراماتهم بالعوز والفقر، وهناك مواقف لم تصرح عن نفسها بعد، وثمة من لا يعلم إلى الآن أنه ساعة تشتد المحن وتستبد الصعاب تصبح الثورة قدرا، ولا تعود ثمة قيمة للزمن طالَ أم قَصُر، فسيرورة التاريخ خطوات ثابتة على طريق التغيير، وفعل إيمان أقوى من صروف الدهر، وأشد مضاءً من سيف صقيل.
ما حدث أمس من على ضفاف الوجع، وتطور إلى اشتباكات بين العسكريين المتقاعدين والقوى الأمنية، هو مقدمة ترسم مسارا، وقد نجح المتقاعدون، الشهداء الأحياء ومن ساحة الشهداء بمباغتة القوى الأمنية والتسلل إلى نقطة قريبة جداً من مبنى المجلس، تجاوزوا العوائق الحديدية مهددين باقتحام البرلمان على الرغم من منعهم من قبل القوى الأمنية، وما التدافع والاشتباك بالأيدي إلا حصة تدريب وإن سجلت خلالها حالات اغماء في صفوف العسكريين الذين أصروا على محاولات اقتحام مبنى المجلس، للتأكيد على رفضهم المس بحقوقهم، من خلال فرض ضريبة دخل على معاشات التقاعد وعلى الطبابة.
وسط هذه الأجواء، تلقف رئيس مجلس النواب نبيه بري كرة النار بحنكة السياسي المخضرم، فبادر إلى رفع الجلسة المسائية باكراً، بعدما تناهى إلى مسامعه أخبار الاشتباكات، وهذا ما جلبته السلطة السياسية لنفسها، والآتي أعظم إن لم يتدارك أهل السلطة ما هو أخطر، وإن تمادوا في تحميل الناس تبعات الفساد لتغطية العجز، خصوصا وأن ثمة مزاريب هدر لم تقفل، وهي إلى الآن محمية بالتوازنات والمناصفة والمحاصصة، وإلا كيف نفسر استمرار الخطأ والتمادي به دون أن يرف جفن مسؤول واحد؟
وفي غمرة المواقف والتطورات، كان لافتا للانتباه ردّ رئيس الحكومة سعد الحريري حين توجه للنواب، مؤكد ان الإحصاءات الرسمية بينت أن أقل من ثلاثة بالمئة فقط من المواطنين كانوا يتابعون النقل المباشر على محطات التلفزيون، في إشارة قالها الحريري صراحة ليؤكد من خلالها أن النّاس ملت السجالات والمزايدات، وبالتالي لم يكن من داع للنواب في رفع صوتهم لاجتذاب الجمهور في عرض تلفزيوني مجاني.
السلطة السياسية أمام مفترق، إما الإصلاح، وإما المزيد من الضياع والتشرذم، والمزيد من هدر الوقت، فيما الناس يتوثبون لملاقاة التقشف بما يصون كراماتهم والحقوق، وما شهدناه أمس مجرد "بروفة"، كلاكيت أولى في مشهدية حية تنبىء بأن الآتي أعظم!