#الثائر
"تطورنا" كثيرا جدا، وبعيدا وطويلا وعميقا "تطورنا"، وبلغنا مرحلة "الاعتماد على الذات"، صرنا أكفياء أكفاء نُـحسد على فائض إبداعاتنا، وأولها في السياسة، وهنا يبدو "التطور" على أشده، وثمة أكثر من "ميني" نيرون لا يتورع عن حرق "روما"، ولكل طائفة نيرونها أو أكثر، يتوعدوننا بحرائق لاهبة، وكل "نيرون" بلغ به حب لبنان حتى أخذه الهيام إلى ما فاق "ديك الجن الحمصي" عشقا لحبيبته "ورد" فأحرقها، وصنع من رمادها كأسا ظل يشرب به مدى حياته، ولا يعلم السياسيون أن لبنان لا يحتمل محبتهم، يختنق بها، تُطبق على صدره فلا يعود قادرا على التنفس، ومن الحب ما قتل.
بلغنا مرحلة "الإعتماد على الذات" ليس في السياسة فحسب، وإنما في الاقتصاد أيضا، ولم نعد بحاجة لإسرائيل كي تفسد علينا مواسم الاصطياف، وهذا العدو الغاشم تجاوزناه بأسلحتنا الأكثر تدميرا، فبعض "التغريد" يرقى إلى غارة، وبعض المواقف "ضربة معلم" تهدم الثقة بلبنان ولا يعود الصيف صالحا لأخذ حمام شمسي، صحيح أن السياحة وسط النفايات والمزابل والروائح وغياب الخدمات تواجه أزماتها، لكن كانت الآمال معقودة على موسم يعوض بعضا من خسارة، قبل أن يشتد الحب بلبنان ويفضي إلى خنقه وحرقه وطعنه، وبالحب أيضا، ومن الحب ما قتل.
قمة "إنجازاتنا" أننا لم نعد بحاجة لإسرائيل كيف تفسد صيفنا، لا بل تأكدنا أن القصف الداخلي أشد عتوا من غارات طالما استهدفت محطات الكهرباء، وأننا "تطورنا" وأصبحنا أكثر قدرة على تدمير اقتصادنا من السياحة إلى الزراعة والصناعة وقطاع الخدمات والاستثمارات الضائعة، ولا غرابة في الأمر طالما لكل طائفة "نيرونها"، ومن قاد حروبنا الأهلية أعجز من أن يبني سلمنا ومستقبلنا ويحقق بعض أحلامنا، ومن تلوثت يداه بدماء اللبنانيين يستحيل أن يضمد جراحهم.
لكل طائفة "نيرونها" وأكثر، وكل "النيرونات" ساهمت في إحراق موسم الصيف، ولبنان يفقد ألق حضوره، ويغدو بلدا قعيدا عاجزا عن الحركة، قطاعاته الإنتاجية إلى مزيد من الإقفال والشلل، أما السياحة فحدث ولا حرج، وربما نحتاج لمن يرد عن المطار سيل الوافدين من السياح من رائحة مسالخ ونفايات، ومن عجز الفنادق على استيعاب الملايين منهم!
ويبقى المهم أن تظل قيادات الطوائف صامدة حتى آخر لبناني.