#الثائر
" – أنور عقل ضو
في مراجعة لجملة التطورات الأخيرة، أمنيا وسياسيا وأخلاقيا، لا بد من سؤال: هل تجاوز لبنان الحرب الأهلية فعلا؟
هذا السؤال يطرح نفسه ولا نستحضره، خصوصا وسط ما نشهد من مواقف، إذ يبدو واضحا أن السلم الأهلي ليس بأكثر من موال في أغنية وطنية، نطرب له ونغترب قليلا عن واقع مشحون بغرائز مصفاة نقية، لنعود من جديد إلى عصبياتنا متوهمين أننا أحزاب وقوى سياسية، فيما نحن لسنا بأكثر من جماعات يحركها خطاب مأزوم في جلساتنا الخاصة، فيما الخطاب العلني يرشح وطنية.
في جلساتنا الخاصة نحن أنبل بني البشر وغيرنا رعاع وشعب مارق وفي العلن نجاهر بالعيش الواحد، في جلساتنا الخاصة يتمظهر الوجه الحقيقي لحضورنا كأقوام نحمل إرث التاريخ الأسود وفي العلن ندعي أننا ننتمي لوطن، في مجالسنا الخاصة نحن مستهدفون وفي العلن منفتحون، في السر نكون نحن دون "روتوش" تفضحنا من آن لآخر تسريبات الهواتف المحمولة، فنذهب إلى ما هو نجس وما هو أقل منا شأنا ومن هو صاحب الفتن الأكبر.
نعيش كل هذا الانفصام وثمة من يدعي أنه يمثل حيثية وطنية، فيما لسنا بأكثر من تراكم عقد يضعنا على حافة الضياع، وندنو من حروبنا أكثر وهي لما تنتهِ بعد، وما وضعت أوزارها يوما، ندعي القوة ونحن لسنا بقادرين على الوقوف دون عكاز الطائفة، ودائما الأسطوانة ذاتها، المسيحيون في خطر، السنة في مواجهة التشيع، الشيعة مستهدفون من هذا البحر السني في المنطقة، الدروز تتقاسمهم أوهام زعامتين، وقس على ذلك سائر الطوائف، والنتيجة خطاب بوجهين، أخطرهما ذاك الذي يحضر في مجالسنا الخاصة النقية من شوائب طوائف ومذاهب أخرى، والأنكى يردون أن نصدق أننا في حاضرة وطن، وأن ثمة دولة راعية لحقوق الإنسان بغض النظر عن انتمائه الطائفي.
أنت منتمٍ لحزب الطائفة تُغدَق عليك رخص السلاح (والسلاح أيضا)، وإن ارتكبت الموبقات فثمة أسباب تخفيفية كي لا تحتجز لأكثر من ساعة واحدة، أنت منتم لحزب الطائفة ثمة من يغض العين لتشيد شرفة أو خيمة قرميد، أنت منتمٍ لحزب طائفي تنفتح أمامك جنة التوظيف، ولا تنتظر أمام أقسام الطوارئ في المستشفيات لتموت وسط صراخ أهلك والمذلة، وتفتح في وجهك أبواب الجامعات.
عندما تتقاسمنا الطوائف نغدو قطعانا لا أكثر، ويغدو الفساد سمة دائمة تستولد الفضائح والكوارث والأزمات، ومن يظن أن الحرب انتهت، نقول له، وسط ما شهدنا ونشهد... إنها الحرب!