#الثائر
– أنور عقل ضو
لبنان اليوم غير لبنان الأمس، وقوته مردها ليس لنسيجه السياسي الملتبس والهش وفي تجليات فاضحة، ومن هنا، يخطىء من يظن أن لبنان قوي بإرادة أبنائه، مسؤولين ومواطنين، فهذه الإرادة مسلوبة بخطاب طائفي تقسيمي ينضح منه التعصب من كل الاتجاهات وفي كل مكان.
إذا عدنا للتاريخ القريب نجد كيف أن لبنان الرسمي في مطلع ثمانينيات القرن الماضي رحب بـ "اتفاق 17 أيار"، إلا أن سواعد المقاومين غيرت المعادلة، وأوجدت معطى جديدا بعد استهداف القوات الإسرائيلية والأجنبية داخل لبنان، لا سيما بعد تفجير مركزي قوات المارينز والمظليين الفرنسيين وسقوط عدد كبير من القتلى، ما اضطر الرئيس أمين الجميل آنذاك إلى الإعلان رسميا عن إلغاء "اتفاق 17 أيار" في العام 1984.
لقد كانت السلطة السياسية في تلك الفترة ممثلة طوائفيا، وكانت أيضا داعمة لهذا الاتفاق بادىء الأمر، ومن ثم انقضت عليه بعد أن مالت دفة الصراع لصالح مقاومة إسرائيل، وشهدنا في تلك الفترة من نقلوا البندقية من الكتف الإسرائيلية إلى الكتف السورية، وبعضهم بات اليوم منظرا للمقاومة من على ضفة مصالحه الخاصة، وساعة تختل موازين القوى سيكون هؤلاء في طليعة المرحبين بـ " صفقة القرن ".
أكثر المغردين والمصرحين اليوم رفضا للسلام مع إسرائيل وجدوا في افتتاح أعمال الورشة الاقتصادية حول خطة السلام الأميركية للشرق الوسط المنعقدة في العاصمة البحرينية، مناسبة للمزايدة، وبعض هؤلاء ينتسبون إلى قوى سياسية كان موقفها في الماضي حائرا بين الـ "هنا" والـ "هناك"، وبينهم الكثير من طفيليات سياسية لا تملك إلا أن تقتات على خطاب رافض بجرعة كبيرة تثير الضحك والشفقة.
قوة لبنان شاء من شاء وأبى من أبى تظل متمثلة بمقاومته، نقول هذا الكلام بالرغم من أن لدينا من الملاحظات على هذه المقاومة أكثر بكثير من الرافضين لها تعصبا، وكان يمكن للبنان أن يكون قويا أيضا بوحدة شعبه، ولكن للأسف هذه الوحدة مؤجلة وسط "جمهوريات الطوائف النقية"، ومع الانقسام السياسي في تمظهره الفاضح على أكثر من مستوى.
لبنان قوي أيضا بجيشه، لكن في حدود تفترض الالتفاف حول هذا الجيش بعيدا من أجندات السياسة بامتداداتها الإقليمية والدولية، ولو لم يكن ثمة مقاومة رابضة عند تخوم المواجهة المحتملة في أي لحظة مع إسرائيل منذ العام 2000 والعام 2006 لرأينا الرافضين لـ "صفقة القرن" يجوبون اليوم أروقة المؤتمر في البحرين، ويتصدرون المشهد ويبتسمون للكاميرات دون شعور بالخزي والعار.
لبنان قوي بمقاومته، كان وسيبقى، بانتظار أن نشهد قيامة الدولة بعيدا من "جمهوريات الطوائف".