#الثائر
- اكرم كمال سريوي
تملك الولايات المتحدة عدة خيارات في المواجهة مع ايران ، فمن الناحية العسكرية، طُرح خلال اجتماع كبار المسؤولين والمستشارين في البيت الأبيض، بعد إسقاط ايران لطائرة التجسس الاميركية، وهي من الطراز الأحدث الذي دخل الخدمة عام ٢٠١٧ (ام كيو 4 سي ترايتون)، بواسطة صاروخ إيراني الصنع نوع (سوم خرداد) الذي اطلق عليه هذا الاسم نسبة الى انتفاضة شهر خرداد (5 تموز ١٩٦٣)، عدة خيارات كان اولها القيام برد عسكري حاسم، يتم خلاله اغراق الأسطول البحري الايراني، وتدمير الدفاعات الجوية والمطارات العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ، وكذلك توجيه ضربة الى المفاعلات النووية الإيرانية ومصانع الصواريخ البالستية.
وكان من داعمي هذا الخيار اضافة الى صقور الادارة الاميركية، اصحاب شركات ومصانع الاسلحة والدعم اللوجستي، الذين سيستفيدون من حصول الحرب. لكن هذا الخيار سقط لعدة أسباب، اولها ان القوات الموجودة حالياً في المنطقة غير كافية للقيام به، فهو يحتاج الى قوات إضافية، كمنصات صواريخ باتريوت لحماية القوات، وكذلك طائرات الاستطلاع والسيطرة على الاتصالات، ومزيد من القاذفات والذخيرة وأسلحة الدعم والخدمات اللوجستية، ووصولها الى المنطقة يتتطلب عدة أسابيع. فهذه العملية الهجومية لن تنتهي في غضون ساعات، بل قد تستمر في حدها الأدنى لمدة اسبوعين، وبالتالي تحتاج الى تحضيرات كاملة وكبيرة، وستكون مكلفة جداً على الصعيد الاقتصادي. اما من ناحية اخرى فهي تحتاج الى قرار من الكونغرس الاميركي، وتوافق اميركي داخلي، وهو غير متوفر حالياً. وإضافة الى ان هذا الخيار يواجه معارضة دولية، خاصة من روسيا والصين وحتى من غالبية الدول الأوروبية.
اما الخيار الثاني فكان توجيه ضربة محدودة لإيران، يتم خلالها تدمير الرادارات ومنصات الصواريخ التي استعملت لاسقاط الطائرة الاميركية، ولكن هذا الخيار سقط ايضاً، بعد التقارير العسكرية التي اشارت الى نشر ايران لمنصات صواريخ بالستية، ولمنظومات الدفاع الجوي الحديثة في المنطقة الشمالية الغربية للبلاد، ومن بينها صواريخ (اس٣٠٠) الروسية الصنع وصواريخ خرداد ١٥ المتطورة التي جرى الكشف عنها مؤخراً، وهذا سيشكل خطراً على القوات والطائرات الاميركية المهاجمة، مما يفتح الباب في حال سقوطها امام توسيع العمليات العسكرية وعدم التمكن من ضبطها في حدوده الدنيا، ولذلك تم استبعاد هذا الخيار ايضاً. فالرئيس ترامب لا يريد الدخول في مغامرة عسكرية، تكون خسائرها اكبر بكثير من سقوط طائرة التجسس، وقد تطيح بمستقبله السياسي وهو على أبواب الترشح لولاية جديدة، خاصة انه يرتكز في سياسته الخارجية الى قناعة ان العقوبات الاقتصادية هي السلاح الأكثر فعالية والأقل كلفة على اميريكا .
هكذا سقط خيار استعمال القوة لصالح الخيار الأخير، وهو التلويح بالعصا دون استعمالها، مما يعني انه لم يتم اتخاذ قرار بتوجيه ضربة عسكري ضد ايران أصلاً، ومن ثم تم التراجع عنه في اللحظة الاخيرة كم يُروّج، إنما الحقيقة هي ان هذا السيناريو كان قد رُسم مسبقاً، وهكذا تم تسريبه الى الاعلام مساء الخميس بعد الساعة السابعة بتوقيت واشنطن، حتى قبل حلول الفجر في منطقة العمليات في الخليج، ليشكل تحذيراً لإيران، بان الرئيس ترامب قادر على اتخاذ القرار بتوجيه ضربة عسكرية، وان تحديد وقت التنفيذ يبقى بيده .
ان هذا المخرج الذكي للإدارة الاميركية، سيجعل ترامب في موقع قوي، خاصة قُبيل قمة العشرين في اوساكا، واجتماعه مع عدد من رؤساء الدول الكبرى في العالم، والاجتماع الأمني الثلاثي بين اميركا وروسيا وإسرائيل في القدس، والذي سيحضره امين مجلس الامن الروسي نيكولاي باتروشيف، والمستشار الاميركي للامن القومي جون بولتون، ورئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي مئير بن شبات الاثنين المقبل، والذي سيبحث التسوية السورية وكذلك الوجود الايراني في سوريا .
بالرغم من اعتقاد البعض ان اميركا تراجعت، وان ايران كسبت هذه الجولة، لكن ومن وجهة نظر اخرى، فان عدم الرد العسكري الاميركي سيبقي ذلك سيفاً مسلطاً على ايران في اي وقت، كما سيُعطي الرئيس ترامب مزيداً من التعاطف الدولي، مما قد يسمح بانضمام دول اخرى الى سلة العقوبات الاقتصادية على ايران، ويُراهن الداعمون لهذا الاتجاه على نجاحه، خاصة اذا ما اقدمت ايران على الخروج من الاتفاق النووي، وعادت الى تخصيب اليورانيم. فان عمليات التخصيب، بالطبع لن تُنقذ الاقتصاد الايراني من أزمته، بل على العكس ستُعرّض ايران الى مزيد من العقوبات، وستضعها مجدداً في مواجهة المجتمع الدولي، وستجد نفسها مرغمةً على التفاوض من جديد، مما يُكسب الرئيس ترامب ورقة رابحة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، اذا ما تمكن من تجنب الحرب وإخضاع ايران ولو لجزء من شروطه.