#الثائر
يبدو أن فبركة قضية "عمالة" للمثل زياد عيتاني يُراد لها أن تمر دون أن يعلم أحد كل الحيثيات والتفاصيل، وما سرب وأعلن ليس إلا نذرا يسيرا من الفضيحة، وكأن التورية هي سقف القانون وسقف القضاء، وهذا يؤكد أن قمة الفساد ساعة يُسخِّر مسؤول موقعه لغرض التحريض والإيقاع بمواطنين شرفاء، ومن العار أن يصار إلى تبني "ضبضة" هذه الفضيحة بدلا من أن تكون درسا لمن يستبيحون الدولة لينالوا العقاب المستحق.
لا يمكن التغاضي عن قضية كان يمكن أن يلفظ القضاء حكما بالإعدام أو السجن المؤبد بحق عيتاني، وستظل هذه القضية نقطة سوداء في سجل الدولة بحضورها السياسي والقضائي في آن، فهل ثمة من يأمن بعد اليوم ألا تُدبّجَ له تهمة كيدا أو لــــ "قصقصة" أجنحة؟ وأين الحريات العامة التي كفلها الدستور؟ وهل يمكن أن نحلم بأن دولة القانون والمؤسسات ستغدو واقعا معاشا لا مجررد شعار أجوف نتغنى به ساعة تدعو الحاجة؟
الأخطر في هذه القضية أن "تموت" بـ "شخطة" قلم، لأن لبنان مهدد بأن يصبح دولة مستباحة، على غرار دول العالم الثالث التوتاليتارية، ولا يتحمل القضاء وزر هذه القضية - الفضيحة، فثمة من هم متوارون من أهل السلطة يوظفون امتيازاتهم لجعل القضاء يستجيب لنزواتهم، أو الإنتظار لمبادلة قضية بأخرى، أي على قاعدة تحاصصية في تجهيل المجرم وتحويل جريمته من جناية إلى جنحة ومن ثم البراءة وتبني أسبابا مخففة، وكأن ليس للناس كرامات وسمعة وحضور اجتماعي، وقد لا نجد صعوبة في توصيف ما جرى بأنه محاولة للقضاء على القضاء، وبإرادة واعية وتصميم لا يدعو مجالا للشك بأن الدولة في بعض المواقع باتت مشاعا سائبا.
هي ليست قضية لا زياد عيتاني ولا غيره، هي قضية رأي عام تستهدف كل مواطن لبناني، خصوصا عندما يتحول الفعل المشين إلى أمر عابر ويُنتسى مع الوقت، وكلنا مشاريع جاهزة للنيل من كراماتنا طالما أن الجريمة لم تلق العقاب المستحق، ولسنا لنتدخل في أحكام القضاء، وإنما ننظر إلى ما هو أبعد، خصوصا وأن ما خلصت إليه هذه القضية يؤكد أنه في مكان ما ثمة من أراد التشجيع على مثل هذه الارتكابات، وسيظل الخوف ماثلا من أن تكون هذه الواقعة مقدمة لانهيار منظومة القيم المفترض أن تكون محصنة لحضور الدولة.