#الثائر
– أنور عقل ضو
فجأة بَـــهُـت الحدث وصغُــــرَ المصاب، ولا عاد من يسأل من قريب أو بعيد عن مآل قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي ، وكأن استدراجه إلى سفارة بلاده في إسطنبول واغتياله وتقطيعه وتذويب جثته وإخفائها ليس بأمر جلل، يضع العالم، كل العالم أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية، لنتأكد في مَا بعد أن كل الأنظمة والحكومات تحركها حفنة من المال، حتى الدم يباع في أروقة الدول والأفراد.
هذا الصمت مخيف، ومريب أيضا، حين ينتصر المال على الدم، حين نرى القاتل يروغ من جريمته براحة بال، وكأن كل "هيصة" الاستنكار تقصدت رفع سعر الدم في بورصة النذالة، أميركا سقطت لصالح صفقة أسلحة، ورئيسها تعاطى مع الجريمة من موقع أنه تاجر، يساوم ويبتز، أما الصحافة الأميركية، ومن بينها "الواشنطن بوست" التي رفعت هذه الجريمة إلى حدود قضية حريات عامة، يبدو أنها تواجه أزمة مالية، وهذا ما يفسر تراجعها نسبيا عن إبقاء قضية خاشقجي ماثلة كمهمة باعتبار الصحافي المغدور كان في عداد محرريها، وكذلك صحافة "العم سام" مجتمعة، وكذلك أيضا المجتمع الأميركي الذي أصيب بلوثة التعمية في بلد الحريات، ويقال أيضا "القيم الإنسانية".
المشكلة أن العالم من أقصاه إلى أقصاه بدا موافقا على رواية رسمية، وكأن سفارة إسطنبول مقرا للاستجواب وأخذ الاعترافات، فضلا عن أن العملية كان واضحا أنها مدبرة من خلال طائرتي "كوماندوس" ومنشار وطبيب شرعي يجيد التقطيع، تقطيع جثة في عالم لم يعد بأكثر من جثة إكرامها دفنها.
وتركيا "العدالة والتنمية" سقطت في لجة مصالحها بعيدا من قيم العدالة، أما أوروبا الثورة الفرنسية والقيم والتنوير وعصر النهضة وفولتير وديكارت وجان جاك روسو والديموقراطيات المتفتحة فغدت جيفة تفوح رائحتها، والمنظمات الإنسانية أسيرة من يدعمها، لزوم المؤتمرات وسياحتها في كل أقاصي الأرض، وكأن ما حدث ليس بجريمة، وإنما شاءت الصدف أن يكون الاغتيال "قضاء وقدرا"، فأي عتهٍ هذا؟
لا يهمنا المملكة العربية السعودية ولا جمال خاشقجي، ما يهم الحدث والجريمة، لا السعودية بلادنا ولا خاشقجي زميلا كنا نتماهى معه بأفكاره، هذا جانب آخر، ومن هنا نتحدث عن مدلولات إنسانية في عالم فقد إنسانيته، ولا نظن أن ثمة توصيفا آخر من أن قضية خاشقجي باتت أضخم صفقة دم في التاريخ!