#الثائر
"فكلّمهم عُصاة متمرّدون ساعون في النميمة.
هم نُحاس وحديد وكلّهم فاسدون" (إر 6: 28)
الأب *- " جان بول خوري " (خاص "الثائر")
عصيان ونميمة وفساد. خلاصة مثلثة الإتجاه والأبعاد، لثقافة "ذلّة اللسان" تضرب بإنسان اليوم، لتضعه أمام خيارات ومواقف، تتناقض مع إنسانيته وكرامته. وهنا يسأل القارئ، لماذا تعاني مجتمعاتنا، من هذا الكمّ الهائل من النزاعات والخصومات والإنقسامات؟ ما هي العوامل التي جعلت الكلمة في مجتمعنا اللبناني تحديدًا في أزمة مستفحلة، تتحكم بالأشخاص وبعلاقاتهم ومواقفهم سواء السياسية والإجتماعية؟ لماذا تتمادى شخصيات سياسية ونقابية وحزبية على الرموز والمقامات الروحية والدينية في لبنان، ولا سيما تلك التي امتدت الى "كرامة المثلث الرحمة البطريرك صفير"؟
أسئلة خضت مضجعي الى حد الإزعاج، لم تفارقني ما برحت تلازمني وأنا أكتب هذا المقال، أود أن أضعها بين متناول محبي الحقيقة وعشاق الحق ورسل كرامة الإنسان والمدافعين عن الحياة. علّنا ندرك بتواضع وخفر، بعض نتوء المشكلة، لأنه ليس من إنسان بريء من الخطيئة إلا الخالق له المجد. لهذا احتكمت الى كلمة الله وتعاليم أمنا الكنيسة المقدسة ومراجع كنسية وعلمية أخرى، إيمانا بأن الله قادر أن ينيرنا بكلمته الحيّة الحاضرة في قلب التاريخ، والهدف كيف نعرف بحق، وعندما نعرف بحق نحيا، وعندما نحيا بالحق، نحيا بالفرح المحرّر " أنظُر، قد جعلتُ قُدامك الحياة والخير، والموت والشر" (تثنة 30: 15). فلنخترنّ الحياة المفرحة لكي نحيا، فنحيا بوفرة (راجع يو 10: 10).
جذور المشكلة
عاش النبي إرميا مع شعب أعطيت له مواعيد الآباء (حك 12: 21؛ روم 15: 8) وقد عرف بشعب لا يريد الحياة لأسباب متشعبة ومتداخلة في مَا بينها. سبط بنيامين "ابن اليمين أو ابن اليمن" الذي اشتهر منذ القدم بصفات حسنة، وقد ميّزته عن باقي الأسباط الإثني عشر، تميّز بـ "الثبات والوفاء... والإخلاص للوحدة" داخل المملكة، وأيضًا بـ "قوّة الإرادة والبنية وبضرب المقلاع » . ومن هذا السبط أيَصا بدأت السلطة الملكية في إسرائيل، وكان شاول الملك الأول على إسرائيل (راجع 1صم 13: 1) ومن هذا السبط أيضًا كان القديس بولس، رسول الأمم (راجع فل 3: 5). تعقيدات الواقع المعاش على أيام إرميا، يوم حكم سبط بنيامين أورشلم "مدينة السلام"، التي تحوّلت مع حكام سبط بنيامين وحاشيتهم، الى مدينة يعمّها الظلم والانتهاكات المتواصلة بحق العهد، وقد شبّه النبي إرميا الواقع السياسي/الديني، لسبط بينامين، ببئر ينبع الشر منه (راجع إر 6: 6). هل تتآلف لغة العنف والإساءة فكر النهب والسرقة والفساد وهضم حقوق المظلومين مع الكيان- الهوية لرسالة أورشليم مدينة السلام؟ هل صمت الله على الظلم اللاحق بالأبرياء، هو عجز؟ كلا، نرى تدخل الله في حلّ النزاع حاضر بقوّة في سياق الفصول بأكملها.
تعنت وغباء
وبالرغم من الدعوات المتكررة من قبل الرب، الى الحكام لتغيير بيئة الظلم والنميمة، نرى في المقابل التعنت في الشر والعبث فيه، جواب حكام بنيامين! ويسأل المرء، لماذا لم تتوقف ثقافة الإفتراء والظلم والعصيان؟ وما الذي يجعل من المسؤول، ينزلق في سفاهة الكلام والتهكم بكلمة الله؟ يقول كتاب إرميا: "باطلاً يُمحّصون، فالخبث لا يُفرز. يُدعون فضة منبوذة لأن الرب نبذهم" (إر 6: 29- 30). إذا لا المحنة أو الشدّة تجدي معهم نفعًا. لأنهم ضربوا بالخبث والرياء. فعندما ينبذ الرب سبط بنيامسن، تصبح قيمته المعنوية والإقتصادية والسياسية، لا شيء، أي عديمة النفع، لأن الرب "ينزع عقول رؤساء شعبا الأرض، ويُضلّهم في تيه بلا طريق، فيتلمسون في الظملة وليس نور، ويُزيغهم ترنّح السكران» (أي 12: 24- 25). والإنتزاع، يعني حجب الحكمة الإلهية القادرة أن تقود الخطوات وسط الظلمة، وترك العقل لمتاهات المخيلة وخرافات قصص العجائز (راجع 1تم4: 7).
إرميا وواقعنا
لا شك، بأن ثقافة كلام العنف والإساءة بحق الآخرين وكرامتهم التي كانت رسالة النبي إرميا وكل الإنبياء، لم تتوقف لغاية الآن. لا بل نراها قد تنامت وازدهر لتصبح ظاهرة عالمية – ثقافية عابرة للقارات، تتنكّر بثياب الحملان (راجع مت 7: 15)، كنموذج كاريكاتوريّ مشيطن، يتقمصها كل من يريد تحقير الآخر... فتغييب الله عن الإنسان، هو الجهل بحد ذاته، فعندما يرفض الإنسان أن يتنبى منطق كلمة الله، يغرق لا محال في الضلال. وكيف بالحري من يتولى مسؤولية؟ وما فصل كلمة الرب عن كلماتنا ومواقفنا وعلاقتنا، غرق في الباطل، فمن يتخذه سبيلا يصبح هو الباطل (راجع إر 2: 5). "إن الحداثة الجديدة احتقرت الكنيسة. لم يفهم المثقفون أبدًا تعاليمها. لدينا انطباع من سوء الفهم، فمن الصعب تخطيه. لقد صارت مركزية الحياة المسيحية، للأسف غير مفهومة بالنسبة للكثيرن، فهؤلاء يفضون بعدم التطلع إلا الى تلك التفاصيل الثانوية" .
يتبع...