#الثائر
إقرار موازنة العام 2019 تعكس إرادة "وطنطائفية" صلبة ليس في موضوع تخفيض الإنفاق مع احتمال أن يتقلص العجز المتوقع إلى نحو 7،6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الـ GDP، ولا أيضا في مسعى دائب ودؤوب لتفادي أزمة مالية خطيرة وسط توقعات بأن يبلغ النمو حوالي الـ1،2 ، كل هذه تفاصيل مهمة، لكن الأهم، وبحسب ما أبلغتنا النائبة في "تيار المستقبل" رولا الطبش قبيل إقرار الموازنة بساعات أن طريق " سيدر " باتت معبدة، وعبرت الطبش عن وجهة نظر سائر القوى السياسية، وربما كانت أصدق في مقاربة موضوع الموازنة بالمقارنة مع نواب ومسؤولين آخرين.
لا يمكن التقليل من شأن موازنة تخطت السبع وخمسين صفحة "بي دي إف" PDF مضغوطة، لكن في العمل على الموازنة كانت ثمة عين على "سيدر"، حتى أن توزيع الوزارات خضع لمغريات كثيرة بعضها على صلة بـ "سيدر"، ولا مشكلة إذا كانت هناك استفادة من باريس 1 و2 و3، كي لا نعود مرة جديدة إلى دوامة الهدر من خلال فتح "طاقة" الفساد، وهذا استحقاق ينتظر الدولة ويتخطى موضوع الموازنة.
من هنا يبقى التحدي ماثلا لجهة كيفية صرف أموال "سيدر" العظيم، المفترض أن توظف في الاستثمار لصالح تفعيل الاقتصاد وكذلك الإستثمار في البنى التحتية، وهنا أيضا سيكون لبنان مرة جديدة تحت المجهر الدولي، خصوصا وأن "سيدر" سيساهم في رفع مديونية الدولة، ما يتطلب إنجاز مشاريع مجدية وبكلفتها الحقيقية، توفر فرصا لتطوير قطاعات تؤمن ظروفا أفضل لتطوير الاقتصاد، وإلا سيكون لبنان مرة جديدة كمن "يلحس المبرد"، إذ لا معنى لموازنة مهما اتسمت بشفافية إن لم تلحظ السبل الأمثل لتفعيل حضور الدولة بعيدا من لعنة التحاصص، وإلا سنكون أمام موازنة لا يصح فيها استخدام مفردة "وطنية"، بحيث تكون موازنة "وطنطائفية" محكومة بسقوف توافقات بين تحالف أهل السلطة.
نسوق هذه الملاحظات والتوجسات كي لا نقع في المحظور مرة ثانية وثالثة ورابعة، ولا يعني سوْق هذه الملاحظات أننا متشائمون، لا سيما وأننا لمسنا في المعلن من مواقف رغبة جدية لدى مكونات الحكومة من أن الإرادة متوافرة للسير بالتصحيح المالي، انسجاماً مع مصلحة المالية العامة ومتطلبات مؤتمر "سيدر"، وهذا ما أكد وزير المال علي حسن خليل لجهة أن الدول الأجنبية رحّبت بالموازنة، كاشفاً ان لبنان يتوقع الآن ان تبدأ مشروعات الاستثمار الجديدة مؤكداً جدية وزارته بإبقاء العجز في النطاق المقترح.
رغم وجود أسئلة وهواجس، يمكن أن نتلمس إشارات إيجابية، لكن العبرة في القدرة على توظيف اللحظة بأبعد من "سيدر" كي لا يُرتـهنَ لبنان أكثر للدول المانحة ومؤسساتها المالية.