#الثائر
ترأس مطران كندا للموارنة بول مروان تابت قداس مرافقة لراحة نفس البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير في كاتدرائية مار مارون في مونتريال - كندا، عاونه مدير الكاتدرائية الاب شربل جعجع وممثل الاكليروس الماروني في كندا والمونسنيور جوزف سلامة ولفيف من الكهنة والشمامسة.
حضر القداس رئيس اساقفة مدينة مونتريال المطران كريستيان ليبين، مطران الارثوذكس الكسندر مفرج، مطران السريان الكاثوليك بول انطوان ناصيف، الارشمندريت مكاريوس وهبة ممثلا المطران ابراهيم ابراهيم، النائب الاسقفي في الكنيسة الارمنية الكاثوليكية جورج زابريان، مطران الكلدان ريمون موصلي، الشيخ سعيد فواز ممثلا دار الفتوى، الشيخ نبيل عباس ممثلا المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، الشيخ عادل حاطوم ممثلا مشيخة عقل طائفة الموحدون الدروز، ممثلون عن الاحزاب اللبنانية، عن الجمعيات، وحشد من ابناء الجالية اللبنانية.
بعد الانجيل المقدس، ألقى تابت عظة استذكر فيها "الراحل الكبير الذي نجد فيه وفي حياته وكلامه قطعة منا"، متحدثا عن مسيرته وعطاءاته "داخل لبنان وخارجه"، ومما قاله: "لا أعلم إذا كان لقاؤنا اليوم لقاء فرح أو حزن، لكن ما أعرفه أنه لقاء حول القربان نصلي خلاله ونستذكر شخصا من بيننا يشبهنا، نرى فيه أو في حياته وكلامه ومواقفه ونضاله قطعة منا، جزءا من قناعاتنا، صورة عن لبنانكم ولبناني، فاستحق لقب بطاركة أنطاكية: "مجد لبنان أعطي له".
أضاف: "البطريرك صفير، قرن زمن عمره، شذى فيه يمنا قداسة سيرة كرائحة الورد والعطور والياسمين، ويسرا مواقف ونضال وإنجازات كعرس قانا وصليب الجلجلة والعنصرة.
إنه الدائم الكبير، "السادس والسبعون" إبن التسعة والتسعين سنة. كاهن احترامه جزيل، وأسقف صاحب سيادة، وبطريرك كاردينال صاحب غبطة، استحق "مجد لبنان" الذي أعطي له.
وأقرأ التاريخ، رزم سنين، إنها لعبة القدر، لا ينتظر المرء منها رحمة أو اعتبار. هكذا قاربها هذا البطريرك الصميم، هو هو لم يتغير أو يتبدل، لم يساوم أو يهادن، لم يراوغ ويتلون... كان موقفه واحدا في أمسه ويومه.
وعلمتني الحياة أن أترك للزمن زمنا وللمكان مكانا، فالزمن لم يكن صديقه أو حليفه، ولا المكان كان أفضل... حرب ودمار حينا، إحتلال وامر واقع حينا آخر، ومساومات ومشاريع حلول مدفوع ثمنها بإخراج إقليمي أو دولي، وهو لم يطو ولم ينطو. أبقى في الشأن العام على الدور الوطني، وترك السياسة لأهلها، لا مساومة على المبدئيات، ولا مفاضلة في التقنيات، فاحتكم إليه كل قاص ودان، ولم يتخطاه من توافق معه على الموقف، كما فرض احترامه على من خالفه الرأي أو عاداه.
داخل البيت الكنسي، مجمع ماروني جديد منذ عام 1736، وإنجازات على صعيد الليتورجيا والتنظيم الاداري والمؤسسات الكنسية الجديدة، والمحاكم والعمل الإجتماعي ووسائل الإعلام وغيرها.
وعلى دروب الإنتشار ومحطات الإغتراب أبرشيات جديدة وزيارات حيث يدعو الواجب والضرورة. مر على القارات الخمس أكثر من مرة، لكن الأساس بقي حيث يجب أن يبقى: لبنان...".
وتابع: "تعلم البطريرك صفير في مدارس أربعة:
- مدرسة العائلة: فيها نمى في النعمة والقامة، وتعلم الصلاة والتأمل والقيم ولغة القلب.
-مدرسة الضيعة: فيها انصب على المعرفة وأتقن اللغة العربية ولغة المنطق الصحيح والعقل.
- مدرسة الكهنوت: فيها عمل على نحت شخصه وشخصيته وانسحاق قلبه وعيش الفضائل الإلهية والإنسانية والتحضير للخدمة الرعوية والبشارة بالإنجيل وتعلم الأصول.
- مدرسة الحياة: فيها تدرج على العمل في الظل والصمت، وإتقان واجب الساعة الحاضرة، والإقدام دونه الخوف، والكلام البليغ عندما تدعو الحاجة.
وعلم في أربعة أخر:
- مدرسة الوعظ: في خدمته الكهنوتية والرعوية حين خدم رعايا كسروان الوسطى.
- مدرسة اللغة العربية: مع تلاميذه وفي ترجماته لكتب اللاهوت الدسمة، لتكون بمتناول أهل الإهتمام.
- مدرسة البطريركية: أمين للسر أصيل فاستحق اللقب الصفة ونائب عام للبطريرك لا تعلم يمينه ما فعلت شماله.
- مدرسة القيادة: من الصف الثاني الى الصف الأول، مناضل شرس لا يستكين. سلاحه "الكلمة"، وترسه الموقف الذي لا يتراجع عنه، حليفه حليف وخصمه خصم".
وقال تابت: "قرأ البطريرك صفير سير أسلافه وظروف حياتهم وخدمتهم ومعاناتهم، ووضع لنفسه منظومة قيم عمل بوحيها، وخطة طريق مشى عليها، كي لا يضلل من جهة ولا يتعثر من جهة أخرى. أبعد عنه أصحاب النفوس الصغيرة، كنسيين ومدنيين، وصادق كتاب الصلاة والقداس اليومي والتأمل والكتابة، والأحب إليه دفتر "مجارياته" وفيه كتابة ملخص كل يوم عما كان "يجري معه أو من حوله".
لم يكن أكولا ولا شروبا، ولا شغوف موائد كبيرة، بل كان يكتفي بما يقدم له.
أحب الأرض وعشقها وعاش معها مغامرة حب، فمشاها بفرح وشغف: قنوبين وجبالها ووديانها. عرفها وعرفته، ضمها وضمته، إنتظرته كل سنة وهو لم يبخل عليها. ساهم في الحفاظ عليها وبادلته، فأعطته "صحة" ونشاطا ونضارة وجه وصفاء ذهن وأنجبت له "عين البطريرك صفير" على ارتفاع حوالي ألفي متر في جرود الديمان المطلة على أعماق الوادي المقدس. إنه "الدائم الكبير"... هكذا وصفه خلفه "السابع والسبعون" البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى".
وختم: "يرتاح بعد كل هذه السنين المحملة بالخيور والغلال... سنبلة انحنت لكنها لم تنكسر. نسر عاد إلى حجره... حاضر في فكرنا، حاضر في كلامنا، حاضر في وجداننا. أيها الأحباء، إن الرجال العظام هم الذين لبوا نداء التاريخ... وها هنا عظيم آخر في تاريخنا.
نم قرير العين أيها الدائم الكبير، لقد أنهيت الشوط وحفظت الوديعة على ما قال القديس بولس: " جاهدت جهادا حسنا، وأكملت السعي وحافظت على الايمان، وقد أعد لي إكليل البر الذي يجزيني به الرب الديان العادل في ذلك اليوم" (2 تيم 7/4-8)".