#الثائر
يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على "شراء الهزيمة" دافعا بلاده إلى "الوراء"، تقليدا للأنظمة التوتاليتارية في العالم الثالث ولو بـ "ديموقراطية" أصر على استباحتها، مستعينا باللجنة العليا للانتخابات وقد استجابت "بالقانون" لتوجساته، فأصدرت أمس قرارا قضى بإلغاء نتائج التصويت في مدينة اسطنبول التي خسر فيها مرشحه في "حزب العدالة والتنمية" رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم أمام منافسه من "حزب الشعب الجمهوري" أكرم إمام أوغلو، وهو الحزب الذي يمثل أكبر قوة في معسكر المعارضة، ويأمل أردوغان في أن تعطيه إنتخابات الإعادة تفويضا جديدا، ليعيد ترميم حضوره وزعامته بعد أن صدَّعتها إسطنبول ومدن كبرى.
لم يتقبل "الخليفة" الهزيمة مؤثرا "العثمنة" بديلا من "العصرنة"، دأبه أن يتكىء على إرث ملأ الأرض ظلما وجورا، وإن رفع الشواهق، فعلى جماجم شعوب سُبِيَت وبيعت في أسواق نخاسة برعاية سلطانية، صحيح أن ذاك الزمن كان فيه الرق والسبي وتجارة الغلمان من الأمور العادية، لكن استعادته في مندرجات العولمة يُسقطُ قيم العدالة التي رفعها حزبه، فضلا عن أن ليس ثمة من يعلم ماذا قدمت الخلافة العثمانية للإنسانية؟ حتى في لحظة سقوطها ارتكبت واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث طاولت الأرمن فيما يرفض أردوغان بأحلام طورانية الاعتراف بما ارتكب أسلافه، فيما يصدر حزبه خطاب الكراهية إلى ألمانيا وهولندا وغيرهما من دول أوروبا احتضنت المهاجرين الأتراك.
وثمة جزئية لا يمكن تغافلها، وهي المتمثلة برفض أردوغان الولوج في مشروع أنسنة الدولة وملاقاة أوروبا العلمانية، أوروبا التي تطورت حين أبقت الدين قيمة إنسانية وأبعدته عن نوازع السلطة ومفاسدها، وسط كل ذلك يمكن قراءة بعض ردود الأفعال على قرار اللجنة العليا للانتخابات، فقال أونورسال أديغوزيل نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري "من غير المشروع الانتصار على حزب العدالة والتنمية"، معتبرا أن "هذا النظام الذي يلغي إرادة الشعب ويتجاهل القانون، ليس ديموقراطيا ولا شرعيا. هذه دكتاتورية صريحة".
وامتدت المواقف ضد النظام التركي إلى الخارج أيضا، فانتقد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قرار إعادة الانتخابات وقال في تصريحات صحيفة: "إرادة الناخبين الأتراك هي فقط من يقرر من يتولى رئاسة بلدية إسطنبول، وإعادة الانتخابات أمر غير مفهوم لنا"، وقالت كاتي بيري مقررة الشؤون التركية في البرلمان الأوروبي، إن القرار "يضرب مصداقية انتقال السلطة بشكل ديموقراطي عبر الانتخابات".
وما يختزل هذه "الملهاة" لم يأت كلاما وتصرحيات، بل جاء قرعا على قدور التنك احتجاجا على الحكم في عدد من أحياء إسطنبول، طرطقة على التنك أبلغ رسالة، فهل يتلقفها أردوغان؟!