#الثائر
– أنور عقل ضو
من يقنع الرئيس التركي رجب طيب أروغان أنه "خسر" إسطنبول ومدنا كبرى؟ ومن يمكنه إيصال رسالة مفادها أن حركة التاريخ تتعثر ولكنها لا تعود إلى الوراء؟ وكيف يتأكد "السلطان" أن "الإسلام السياسي" غير قابل للحياة في حاضرة العصر؟ وهل يتأكد يوما أن الدفع بالإسلام إلى واجهة العمل السياسي يصيبه بمقتل؟
هذه الأسئلة تلح اليوم بعد أن بدأت "الإمبراطورية" تتهاوى، خصوصا في ميدان الاقتصاد، وبدا أن الفقاعة الاقتصادية في تركيا تطرح اليوم إشكاليات حداثوية بدأت تطيح بأوهام قدمت أردوغان "خليفةً" غير متوج قادم من أفكار وتصورات طورانية متكئة على مفهوم الخلافة الإسلامية، وبدا أكثر أن الرئيس التركي المعجب بالتجربة الماليزية التي كرسها مهاتير محمد غير مقتنع بفشل التجربة وانهيار أحلامه تباعا.
من هنا، يمكن أن نتفهم موقف أردوغان الأخير، إذ أعلن أنه يفضل إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول، التي أسفرت عن فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري، المعارض الرئيسي، وذلك في أحدث إشارة إلى عدم نيته القبول بالهزيمة التي أكدتها النتائج الرسمية.
هذا الأمر ليس تفصيليا، وخسارة إسطنبول ليست حدثا عابرا، فقد أكد الشعب التركي أنه ليس في وارد العودة إلى الوراء، وثمة أسباب عدة أدت إلى خسارة حزب "العدالة والتنمية"، ولا يمكن حصرها فقط في الحنين إلى الحقبة العلمانية التي رسخها مصطفى كمال أتاتورك على أنقاض الخلافة العثمانية في مطلع القرن الماضي، ذلك أن ثمة أمرين أساسيين لا يمكن إغفالهما في قراءة المستجد في المشهد التركي، أولهما حملة الاعتقالات غير المسبوقة التي طاولت البلاد في أعقاب الانقلاب الفاشل في 15 حزيران (تموز) 2016، وثانيهما تراجع الاقتصاد وعدم قدرة أردوغان على تقديم تركيا نموذجا اقتصاديا قابلا للتطور، وهذا شأن آخر يفترض بحثا مستقلا.
اعترف أردوغان أمس في خطاب ألقاء في إسطنبول أمام نقابة لأصحاب العمل: "من الواضح أنه تم ارتكاب تجاوزات وفساد. وعبر إلغاء كل ذلك، ستريح اللجنة الانتخابية العليا ضمائر مواطنينا"، ولا نعلم كيف يمكن لقوى المعارضة أن ترتكب تجاوزات في ظل هيمنة "العدالة والتنمية" على مفاصل البلاد، إذ من المفترض أن تكون قوى المعارضة من طاولتها مثل هذه التجاوزات.
وإذ تجتمع اللجنة الانتخابية العليا اعتبارا من الاثنين، للنظر في الطعن الذي تقدم به حزب أردوغان الحاكم، مطالبا بإلغاء الانتخابات في إسطنبول وإجراء انتخابات جديدة، بدأ الادعاء التركي، الخميس، 32 تحقيقا في مزاعم بشأن ارتكاب مخالفات خلال الانتخابات المحلية.
لم يتقبل أردوغان وحزبه إلى الآن فكرة الخسارة في الانتخابات، وهما يحاولان بشتى الطرق إعادتها، ويبدو أن ثمة مراهنة على إمكانية استعادة إسطنبول، وهذا الأمر منوط بما سيقوله القضاء، وحتى لو أجريت الانتخابات وتمكن أردوغان من الفوز فلن يغير ذلك شيئا، لجهة أن تركيا تشهد اليوم بداية انحسار مشروع الخلافة!