مقالات وأراء

إصلاحات ضريبية ذو حدين

2019 نيسان 20
مقالات وأراء المدى

#الثائر

- اكرم كمال سريوي

في عام ١٩٦٦ تعرض القطاع المصرفي اللبناني الى أزمة، أسقطت امبراطورية بنك انترا، وكادت تطيح بباقي البنوك اللبنانية .

كان انترا يستحوذ على ٥٦٪ من الودائع المصرفية في لبنان، ويفوق رأسماله ١١مرة ثاني البنوك اللبنانية، لكن يوسف بيدس ارتكب عدة اخطاء، أدت الى اعلان افلاس البنك. ورغم ان البعض يعتبر ان ذلك حصل نتيجة لمؤامرة، فان الحقيقة هي ان البنك كان يحتفظ بنسبة سيولة ٥٪ خلافاً للقانون الذي يفرض الاحتفاظ بنسبة ٢٥٪ ثم انه رفض رفع الفوائد على الودائع ، فوضع لها حداً أقصى ٤٪ في حين رفعت البنوك الغربية النسبة الى ١٢٪، مما سبب هروب للودائع من لبنان الى بنوك الغرب ، وخاصة سويسرا. هذا اضافة الى خلافات بيدس مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي عمدت الى سحب ودائعها منه، رغم انه يُقال ان اول الف دولار تلقتها منظمة التحرير كان تبرع من بيدس، وكذلك علاقاته السيئة مع شخصيات مهمة، مثل صائب سلام وعبدالله اليافي، وحتى رئيس الجمهورية انذاك شارل حلو.

ورغم انه كان محسوباً على العهد الشهابي وبلغ نفوذه حدوداً عليا لكن الدولة رفضت انقاذه، لا بل ساهمت في اسقاطه، ومنعت عنه السيولة التي طلبها من مصرف لبنان.

نستذكر تلك الأزمة للإضاءة على نقطة هامة، وهي الخطوة المقترحة من الحكومة، برفع الضريبة على الفوائد الى ١٠٪، ومع موجة التهويل السائدة حول الوضع المتأزم للدولة، بات يُخشى ان يؤدي ذلك الى نتائج سلبية على حركة الودائع، والتي بدأت في الفترة الماضية بالخروج من لبنان، خاصة الودائع العربية، باستثناء سوريا والعراق.

ومن المهم الانتباه الى ان خطوة رفع الضريبة هذه ، قد لا تزيد مدخول الدولة، بل ربما تنعكس سلباً، وتُعاد كرة ما حدث في ستينيات القرن الماضي، خاصة ان دول أوروبية عديدة تُقدم مغريات على الودائع، مثل منح الإقامة الدائمة فيها، كتشيكيا، وقبرص واليونان، وبلغاريا، وغيرها .

اما الإجراء الثاني والذي بدأ ينعكس سلباً، هو اقتراح تخفيض ملحقات الرواتب، خاصة للعسكرين وصغار موظفي القطاع العام. فمهما كانت التسمية، الغاء الإضافات، او خفض نسبة معينة، فالنتيجة واحدة، هي انخفاض في الرواتب والأجور. وقد تسبب طرح هذا الموضوع، بجمود غير مسبوق في الأسواق اللبنانية، التي بدأت تشهد إقفالاً لعدد كبير من المحال والمؤسسات التجارية، خاصة الصغيرة منها. وهذا يعني انخفاض إضافي في النمو، ومداخيل الدولة، قد ينسف النتيجة المرجوة من التخفيض. ثم ان التخفيض كي يكون عادلاً، يجب ان يكون بنسب تصاعدية، وفقا لسلم الرواتب والأجور، فلا يجوز ان يتم حسم نفس المبلغ، او نفس النسبة، على الرواتب، التي تتراوح بين مليونين، وعشرة، او عشرين مليون ليرة .

اما الخطوة الأهم، والتي تُغفلها خطة الحكومة، فهي ضريبة الدخل والتهرب الضريبي منها، فمن جهة تُريد الدولة زيادة ضريبة القيمة المضافة، او زيادة على البنزين، وهذه ضرائب يدفعها المواطن من جيبه، ولا يتأثر بها التاجر بشكل مباشر، وغير خافٍ ان هناك عدد كبير من المؤسسات التجارية، ما زال غير مسجل، ولا يدفع هذه الضريبة، وتشير بعض الإحصاءات، انه في بيروت وحدها يوجد اكثر من ثلاثة آلاف مؤسسة، لا تدفع ضريبة VAT.

اما ضريبة الدخل، والتي تعمل بها معظم دول العالم، فالقسم الأكبر من اللبنانيين معفي منها. فلو اخذنا مثالا فرنسا او كندا اوغيرها من الدول المتقدمة، سنجد ان الطبيب او المهندس او غيره من اصحاب المهن الحرة، يدفع نسبة قد تصل الى ٣٠ او ٤٠ ٪ من مدخوله للدولة، كما ان كافة التجار واصحاب المصانع، يدفعون ضرائب تصاعدية على الأرباح، وهذ لا يحصل في لبنان، حتى ان العديد من التجار، لديه اكثر من مؤسسة وهمية لتسجيل الفواتير، وتوزيعها، للاستفادة من الإعفاء على المبالغ الإجمالية للفواتير، اذا كان مجموعها السنوي اقل من مئتي مليون ليرة.

ثم ان ما هي حصة الدولة من أرباح المصارف، ولماذ الضريبة على أرباح المودعين فقط؟ اليس هذا بسبب نفوذ اصحاب المصارف، على السياسيين، الذين يشارك قسم كبير منهم، في ملكية هذه البنوك؟.

كما تفرض الدول الأوروبية على كل صاحب مؤسسة، لديه موظف ان يدفع ضريبة، تتراوح بين ٣٠ الى ٤٪ من قيمة راتب الأجير او الموظف لديه، في حين نجد عدد كبير من الموظفين في المحال، خاصة الصغيرة في لبنان، يتقاضون اقل من الحد الأدنى للأجور، ولا يتم الالتزام بإدخالهم الى الضمان الاجتماعي، ولا تكلف الدولة اصحاب هذه المؤسسات اية ضريبة. ولماذا لا تفرض الدولة مثلاً ضريبة على الشقق المبنية الفارغة؟ ألن يساهم هذا في حل مشكلة إسكانية، عندما يجد من يملك مئات الشقق الفارغة نفسه مجبراً على بيعها او تأجيرها؟

اذا اقدمت الدولة اللبنانية على اصلاح وضبط النظام الضريبي في لبنان، وأغلقت مزاريب الهدر والفساد، واعتمدت المكننة الحديثة والرقابة الصارمة، ستتمكن من تحقيق فائض في ميزانيتها، ولن تكون بحاجة الى البحث في خفض الرواتب والأجور، او اتخاذ اية إجراءات غير محسوبة، قد تنعكس سلباً على النمو الاقتصادي، وثقة المواطنين بالدولة.

لكن المشكلة، ان مؤسسي النظام الاقتصادي اللبناني، من ارباب الرأسمالية، أمثال ميشال شيحا، مهندس النظام الحر، ونظرية اقتصاد الخدمات، وشارل قرم صاحب (المجلة الفينيقية ) والنظرية المعادية للعرب، وأميل البستاني، صاحب شركة (كات)، ومنير ابو حيدر، صاحب شركةTMA ، أرسوا مباديء عززت وضعية التجار على حساب باقي القطاعات، وما زال فكرهم سائدا، بحيث قُسّم البلد وكالات حصرية، في كافة أصناف السلع، وحتى في المناصب والمراكز السياسة والإدارية للدولة، وبات لبنان يحتاج الى اعادة بناء شاملة، في سياسته المالية، والاقتصادية، ونظامه السياسي الطائفي، الذي ما زال يمنع قيام الدولة.

اخترنا لكم
إسرائيل تضع ثلاث خيارات أمام الفلسطينيين.
المزيد
قصف كثيف على غزة يفاقم «الكارثة الإنسانية»... وآمال التوصل إلى هدنة تتلاشى
المزيد
اللعبة انتهت وتم اتخاذ القرار. GAME OVER.
المزيد
التناقض الأميركي
المزيد
اخر الاخبار
بايدن سيلتقي نتنياهو قبل خطابه أمام الكونغرس
المزيد
الرياض تعرب عن «قلقها البالغ» من التصعيد العسكري في الحديدة
المزيد
الفوضى الرقمية: كيف تسبب تحديث خاطئ في شلل عالمي ودفع بأجندات الأمن السيبراني إلى الواجهة؟
المزيد
إسرائيل تضع ثلاث خيارات أمام الفلسطينيين.
المزيد
قرّاء المغرد يتصفّحون الآن
بالفيديو... كارلا حداد تغضب متابعيها بسبب تصرف مثير مع جورج قرداحي
المزيد
قاطيشا: يبدو أن سليم اليوم أقوى بكثير من سليم الأمس
المزيد
عادة يمارسها الجميع تمنع فائدة الحمية الغذائية!
المزيد
بالتفاصيل - أسماء الشخصيات والكيانات الـ 39 المشمولة بعقوبات "قيصر"
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
لبنان على حافة كارثة جيولوجية!
"واتس آب" يطلق ميزة جديدة لتسهيل المراسلات الصوتية في الأماكن الصاخبة
فيديو.. بسعر 6.2 مليون دولار.. بيع أغلى "موزة" في التاريخ
سابقة.. أول صورة مفصّلة لنجم في مجرّة أخرى غير درب التبانة
الحاج حسن: أضرار القطاع الزراعي هائلة ومسح جوي لتقييم الخسائر بالتعاون مع الفاو
بعد إخبار رازي الحاج... إلقاء القبض على ٤ أشخاص