#الثائر
- سوزان أبو سعيد ضو
منذ أربع سنوات والأخصائي في علم الحشرات الطبي Medical Entomology، والأستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور أنطوان فرح يقوم بإحصاء مصوّر وتوثيق للفراشات المتواجدة في مختلف المناطق اللبنانية، منها أرز جاج، تنورين، عين زحلتا، بعبدا، سوق الغرب، خندق الرهبان وغيرها.
وقد أثار انتباهه نوع من الفراشات يعرف بـ "السيدة الملونة" Painted Lady واسمه العلمي Vanessa cardui، يستوطن غابة "خندق الرهبان" على مدار السنة، وحتى في فصل الشتاء، وخلال زياراته المتعددة كان يوثق وجود أربع فراشات من هذا النوع في كل أنحاء الغابة.
يمكنها التكيف
لكن في 13 آذار (مارس)، تفاجأ بأعداد هائلة من هذه الفراشات تحلق على ارتفاع منخفض متجهة نحو الجنوب، ودون أن تتوقف في الغابة، وظل يراقبها لفترة أربع ساعات، فلم تتوقف عن العبور، أو تغط على الأزهار لتناول رحيقها، واستمرت هذه الظاهرة حتى 18 آذار (مارس) 2019، ودون أن تتوقف ليلا ولا نهارا، واعتبر فرح هذه الظاهرة هجرة الفراشات من الخارج إلى لبنان.
وفي 19 آذار (مارس)، وخلال زيارته المعتادة للغابة، تغير المشهد تماما، فقد لحظ فرح أن الفراشات بدأت تتوقف في الغابة، وتتناول رحيق أزهار الأقحوان، خصوصا من نوعAnthemis tinctoria ، وهذه الأزهار تنتمي لعائلة Astaracea، وهذه الزهرة تعتبر زهرة مركبة من عدة أزهار صغيرة Compositae، كما أنه شاهد خمس فراشات تتجمع على مجموعة من 20 زهرة، علما أن فراشات Vanessa cardui تتغذى على أنواع عدد كبير من الأزهار، لذا يمكنها التكيف مع أنواع مختلفة من الموائل والبيئات، كما أنها تستطيع الصمود خلال الشتاء.
علما أن العديد من الأشخاص شاهدوا هذه الظاهرة ووثقوها بالصور والفيديوهات، كما شاركوها على مختلف مواقع التواصل الإجتماعي .
فراشة مقيمة
مئات الألوف من الفراشات تتجه في أسراب نحو البحر، لنشهد فيما بعد هجرة معاكسة بأعداد أكثر خلال الأسبوع الأخير من آذار (مارس) وبداية شهر نيسان (أبريل) وبأعداد كبيرة مع ابتداء موسم الأزهار الربيعية، خصوصا أزهار صفراء تعتبر غذاءها الأساسي.
في هذا السياق، قال فرح لـ "غدي نيوز": "تميزت هذه السنة بالرطوبة العالية، والطقس الدافئ نوعا ما، إذ أن درجة الحرارة لم تنخفض دون الـ 15 درجة مئوية في بيروت، وهذه الفراشة مقيمة Resident في لبنان، كما قد يهاجر بعضها بحثا عن ظروف أفضل خصوصا لجهة تأمين الغذاء، كما يقوم بعضها أو أغلبها بالبيات الشتوي Hybernation محليا، إذا كانت الظروف المناخية ملائمة، وقد ساعد هذا الأمر على جذب أعداد كبيرة منها وعلى فقس الكثير من البيوض، فضلا عن تحول الكثير من يرقاتها إلى فراشات كاملة".
هجرة ضخمة
وأشار فرح إلى أن: "فراشة Vanessa cardui من الفراشات القلائل التي تهاجر حين لا يناسبها المناخ أو البيئة، وهي تقطع مسافات طويلة مستعينة بالتيارات الهوائية الدافئة العالية للوصول إلى وجهتها، وقد وثق العديد هجرات لهذه الفراشة في لبنان في السابق، ويذكر الأب فرانسوا طمب François Tomb أنه قد لاحظ في العام 1968، في منطقة بشري أواخر شهر نيسان (أبريل)، هجرة ضخمة لهذه الفراشات، حيث غطت أعداد كبيرة منها ولمدة أيام أشجار الفاكهة المزهرة، وبعدها غادرت إلى الشرق دون أن تترك ضررا على المزروعات".
وتابع فرح: "كما لاحظ السيد سليم عبود هجرة ضخمة لها في صيدا في العام 1969، كما أن العالم Larsen في العام 1973 لاحظ وجود أعداد كبيرة من هذه الفراشات، لكنه فسر هذه الظاهرة ليس بسبب للهجرة فحسب، بل إلى كثرة تفقيس هذه الفراشات في لبنان".
وتابع فرح: "لاحظت أن أحجام الفراشات تتراوح بين 3 و6 سم، أي أن تغيرا ما في المناخ أو البيئة ألزم هذه الفراشات على تسريع دورة حياتها، فضلا عن النقص في الغذاء، ما أجبر اليرقة على البلوغ قبل أوانها، لذلك لم تأخذ حجمها الطبيعي"، ولفت إلى أن "هذا الأمر سينعكس على كمية البيوض التي تنتجها الفراشة البالغة، فالمعدل 500 بيضة تقريبا، بينما الفراشة ذات الحجم 3 سم فلن تنتج هذا العدد".
منتشرة في سوريا
ويواصل فرح زياراته لغابة "خندق الرهبان" في منطقة بعبدا يوميا، وبذات التوقيت عند الساعة العاشرة صباحا، لمراقبة تأقلم هذه الفراشات مع البيئة هناك، ومتى ستبدأ بالمجامعة ووضع البيوض، علما أن النباتات الجاذبة للبيوض موجودة بكثرة في الغابة، ومنها الخبيزة Malvae، القريصUrtica وغيرها.
وقال فرح: "تتوزع هذه الفراشات في كافة المناطق اللبنانية، وقد تم رصدها في الشمال والجنوب والبقاع وحتى في أعالي الجبال، كما وصلني اتصال من الباحث السوري إياد سليم، أكد وجود هذه الفراشات وبأعداد هائلة في مختلف المناطق السورية، كما أن أحد الطيارين أعلمه أن أجواء البحر الأبيض المتوسط تعج بهذه الفراشات".
وختم فرح: "لا تشكل هذه الفراشات خطرا على المزروعات، لأنها يرقاتها تتغذى على النباتات البرية المذكورة أعلاه".
الصور: من أرشيف الدكتور أنطوان فرح
المصدر: غدي نيوز