#الثائر
– محرر الشؤون الاقتصادية
شكّل مؤتمر " سيدر " فرصة للبنان ليس في مَا رصد من أموال على شكل هبات وقروض ميسرة بقيمة أحد عشر مليار دولار أميركي فحسب (يمثل هذا المبلغ أقل وأدنى حسنات "سيدر")، وإنما في أن الدولة باتت مرغمة على إجراء إصلاحات كي لا تضيع عليها أموال المؤتمر الباريسي الرابع لدعم لبنان، وإن كان القسم الأكبر من هذا المال يرتب على اللبنانيين تبعات ديون إضافية، مع تراكم الدين العام وبلوغه عتبة المئة مليار دولار.
أولى حسنات " سيدر " جاءت على "موجة كهربائية" عالية مع إقرار خطة الكهرباء، وفي هذا المجال، المطلوب "التوتر"، والعالي أيضا، ولكن توترا "يضيء" اللبنانيين ولا يبقيهم أسرى ظلام طال أربعة عقود، تخللته معاناة من "الشمعة" إلى "قنديل الكاز" إلى "قنديل الغاز" وتطورا نحو استخدام "الفلوريسان" 12 فولت و"شارج" بطارية سيارة، إلى المولدات الخاصة، وصولا إلى الاشتراك بمولد الحي المشرعن اليوم بالقانون، مع تسعيرة واضحة تصدرها الوزارة المعنية انتصارا للبنانيين ومنع سرقتهم "عينك بعينك".
لكن الأمور لا يمكن مقاربتها عبر إصلاحات مطلوبة وملزمة فحسب، لا سيما وأن ثمة مخاوف من أن نمضي مرة جديدة في مسار يعيدنا إلى ما كرسته حكومات سابقة راهنت على الإستدانة، ورهنت لبنان لمؤسسات دولية، فضلا عن أن ما نواجهه اليوم هو نتاج هذا المسار بكل عيوبه ومساوئه، إضافة إلى أن القروض لم تستخدم في الماضي بالشكل المناسب، خصوصا وأننا في مقاربة سريعة نجد أن لبنان صرف مخصصات مالية كبيرة لاستشاريين محليين أو دوليين من باب "الهدر"!
ومن هنا، يبقى التمني متكئا على تحقيق الإصلاحات بعيدا من ربطها باستحقاقات ظرفية، والمطلوب تمويل مشاريع استثمارية، وهذا ما يؤكد عليه خبراء اقتصاديون اتفقوا على أن إمكانية تحقيق نمو اقتصادي بعد الحصول على أموال "سيدر" ضئيلة وتكاد تكون معدومة، بالاستناد إلى تجارب سابقة، مع باريس 1 و2 و3، وهنا يبقى التحدي ماثلا في عدم استنزاف أموال "سيدر" في مَا لا يخدم نمو الاقتصاد الوطني وتحقيق تطور يؤمن المناخ الملائم لجذب استثمارات خارجية، وهذا مرهون بالثقة المفترض أن توفرها الدولة، فضلا عن ضرورة رفد قطاعات الإنتاج بما يوفر لها إمكانية الاستمرار والتطور والمنافسة.
صحيح إن لبنان بحاجة إلى قروض ليزدهر ويتطور إقتصاده، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان، لكن وإن كان هذا الأمر يمثل ضرورة استثنائية في ظل ما نشهد من عثرات، فلا بد أولا وأخيرا من إدارة رشيدة لأموال "سيدر" وصرفها في المكان الصحيح، بانتظار أن تكون خطة الكهرباء مقدمة لتبني مشاريع مجدية، شرط أن يكون "التوتر" مطلوبا، فقط في الكهرباء!