#الثائر
كتبت عضو كتلة "المستقبل" النيابية النائبة رولا الطبش جارودي لـ"مستقبل ويب" تقول:
أقرّ مجلس النواب ، خلال إجتماع الهيئة العامة الذي عقد في 8 آذار 2019، تعديلات جوهرية على قانون التجارة ، وهو قانونٌ يعود للعام 1942 كانت قد أُدخلت عليه فقط بعض التعديلات المتفرقّة التي لم تُحدث تغييرات هامة فيه.
ولكن ما هي هذه التعديلات الجديدة التي نشرت في الجريدة الرسمية وتُشكّل خطوةً متقدّمة من شأنها وضع القانون التجاري اللبناني في مرتبة القوانين التجارية الحديثة؟ وماذا أدخل هذا القانون لتشجيع الإستثمارات في لبنان؟
بداية، تطرّق المشترع إلى مسألةٍ دقيقة تتعلّق بتحويل الشركات، إذ تعتبر الإدارة الضريبية أنّ تحويل شكل أي شركة يؤدّي إلى انقضاء شخصيتها المعنوية ونشوء شخصية معنوية جديدة، وهذا ما يبرّر – من وجهة نظر الإدارة الضريبية – فرض ضريبة ناتجة عن وجوب إعادة تخمين موجودات الشركة التي تمّ تحويل شكلها. لذلك، لحظ المشترع أنّ الشخصية المعنوية للشركة تبقى عينها عند التحويل، ما يقطع الطريق على أي محاولة لفرض ضرائب ناتجة عن عمليّة التحويل.
فضلاً عن ذلك، تطرّق المشترع إلى مسؤولية المؤسّسين، مؤكداً على مسؤوليتهم التضامنية في ما خصّ جميع الأعمال التي يقومون بها خلال فترة التأسيس، على أن تأخذ الشركة على عاتقها تلك الأعمال بعد تأسيسها.
وألغى المشترع الموجب الذي يفرض إيداع وتسجيل نظام الشركة المغفلة لدى الكاتب العدل التابع له المركز الرئيسي للشركة، إذ بات ممكناً اللجوء إلى أي كاتب عدل على الأراضي اللبنانيّة، سواء أكان لإيداع وتسجيل نظام الشركة أم لتعديله. إنّ من شأن هذا التعديل إلغاء عبءٍ غير مُبرّرٍ كان يُثقل كاهل الأشخاص الذين يرغبون بتأسيس شركة مغفلة.
كما لحظ المشترع آليةً واضحةً تسمح للمؤسسين باسترجاع المبالغ التي أودعوها في حسابٍ مصرفي (والتي تُمثّل إكتتابهم برأسمال الشركة)، وذلك في حال عدم تأسيس الشركة خلال ستة أشهر من تاريخ توقيع نظام الشركة لدى الكاتب العدل، أو في حال قرّر المؤسسون عدم السير قدماً في عمليّة التأسيس.
وأدخل المشترع إمكانية لجوء أعضاء مجلس الإدارة إلى الوسائل الإلكترونية في إطار مُعاملة إيداع وتسجيل الشركة لدى أمانة السجل التجاري وفقاً للآلية التي يُحدّدها وزير العدل (وهي تصبح مُتاحة بعد سنتين من تاريخ نفاذ القانون التعديلي). إنّ من شأن هذا التعديل تسهيل عملية تسجيل الشركات في السجل التجاري، وهذا أمرٌ جوهري سيحدث أثراً إيجابياً في إطار تشجيع الإستثمارات في لبنان.
وفي إطار تعزيز الشفافية، لحظ المشترع البيانات الإلزامية التي يتوجّب على أعضاء مجلس الإدارة نشرها في السجل التجاري أو عبر الوسائل الإلكتروني، وذلك بعد إجتماع الجمعيّة العمومّية الناظرة في حسابات السنة المُنصرمة، تحت طائلة غرامة يفرضها القاضي المُشرف على السجل التجاري على الشركة المخالفة. وقد أعفى المشترع أعضاء مجلس الإدارة من موجب الإستحصال على براءة الذمّة الصادرة عن الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي لنشر تلك البيانات في السجل التجاري، وهذا أمرٌ هام من شأنه تعزيز الشفافية وتسهيل وصول الغير إلى المعلومات الأساسية المتعلّقة بالوضع المالي للشركة.
ولم يكتف المشترع فقط بذلك، بل لحظ نظاماً لعملية الفصل بين ملكية الرقبة وملكية الإنتفاع للسهم الواحد، وحدّد كيفية توزيع الحقوق بين صاحب حق الرقبة وصاحب حق الإنتفاع وعلاقة كلّ منهما بالشركة، إلاَّ في حال قرّرا الإتفاق على ما يُخالف ما هو منصوصُ عليه في القانون لهذه الناحية. ومن شأن هذا التعديل توضيح حقوق وواجبات صاحب حق الإنتفاع وصاحب حق الرقبة، وتبديد الغموض الذي غالباً ما كان يلفّ العلاقة بينهما من جهة، وعلاقة كلّ منهمابالشركة من جهةٍ أخرى.
وألغى المشترع حق التصويت المزدوج المتّصل بالسهم الإسمي المُحرّر بالكامل الذي يظلّ ملكاً للمساهم الواحد لأكثر من سنتين، وذلك بالنسبة للشركات المغفلة التي تؤسّس بعد دخول القانون التعديلي حيّز التنفيذ. أمذا بالنسبة للشركات القائمة قبل نفاذ القانون التعديلي، فإنّ إلغاء حق التصويت المزدوج يتطلّب قراراً صادراً بإجماع المساهمين بموجب إجتماع للجمعيّة العمومية غير العادية.
لحظ أيضاً القانون الآلية العامة لحق الأفضلية في تملّك الأسهم، إذ أكّد على إمكانية منحه للمساهمين أو لفريقٍ منهم أو للشركة، كما لحظ الجهة المخوّلة ممارسةحق الافضلية في حال وجود صاحب حق رقبة وصاحب حق إنتفاع على السهم.
أمّا التعديل الأبرز الذي أُدخل على القانون، فهو إنشاء الأسهم التفضيلية على غرار الأسهم التفضيلية في المصارف اللبنانيّة، وهي أسهم تُعطي صاحبها بعض الإمتيازات المادية دون أن يكون يتمتّع بحق المشاركة في الإجتماعات والتصويت وحق تولي عضوية مجلس الإدارة وحق إقتسام موجودات الشركة.
كما لحظ القانون الجديد إمكانية إنتخاب أعضاء مجلس الإدارة من خارج المساهمين، وهم يُسمّوا أعضاء مجلس الإدارة المستقلّين Administrateursindépendants.إنّ من شأن هذا التعديل الإتاحة للشركات الإستفادة من خبرات أشخاص من خارج المساهمين، وهو ما يندرج ضمن إطار الحوكمة الرشيدة الواجب إعتمادها في الشركات.
أمّا الأهم، فهو إمكانية الفصل بين رئاسة مجلس إدارة الشركة المساهمة ووظيفة المدير العام، وهو أمرٌ يُتيح فصل صلاحيّات الطرفين، وفقاً للقانون، على نحوٍ يجعل إدارة الشركة اليومية مُناطة بمديرها العام، على ألاّ يكون رئيس مجلس الإدارة معنياً بإدارة الشركة.
فضلاً عمّا تقدّم، وعلى غرار بعض التشريعات الأجنبية، أتاح المشترع إعتماد تقنية الإتصّال المرئي والمسموع في إجتماعات مجلس الإدارة والجمعيات العمومّية، وهذا يشكّل خطوةً متقدّمةً لتسهيل عمليّة مشاركة أكبر عدد من المساهمين في الإجتماعات.
تعزيزاً للشفافية، وفي خطوةٍ ترمي إلى الحدّ من استغلال أصحاب الأكثرية النفوذ داخل الشركة لتحقيق المكاسب الشخصية، أدخل المشترع تعديلاتٍ على نص المادة 158 من قانون التجارة، من شأنها توسيع دائرة الأشخاص المعنيين بوجوب الإستحصال على ترخيصٍ مسبق من مجلس الإدارة، ومن ضمنهم المساهمين الذين يملكون بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة حقوق تصويت تزيد عن خمسة بالمئة من رأس مال الشركة. وقد لحظ التعديل آليةً واضحةً بهذا الخصوص، تتضّمن وجوب قيام مجلس الإدارة بالبت بطلب الترخيص قبل إنعقاد الجمعيّة العمومية، على أن يرفع تقريراً به إلى أوّل جمعية عمومية تُعقد بعد الموافقة على الترخيص، على أن يُقدّم أيضاً مفوّض المراقبة تقريراً خاصّاً بالعملية المطلوب ترخيصها إلى الجمعيّة العمومّية للتصويت عليها.
وعلى صعيد المسؤولية، جاءت المادة 167 المُعدَّلة لتوسّع دائرة الأشخاص المسؤولين في حالة إفلاس الشركة، وهم أعضاء مجلس الإدارة ومديرها العام وكل شخص موكل بإدارة أعمال الشركة أو مراقبتها، بما في ذلك مفوضي المراقبة، علماً أن المسؤولية تكون مُفترضة حتى ثبوت العكس.
وفي هذا الإطار، لا بُدَّ من الإشارة إلى أن القانون التعديلي عزّز مسؤولية مفوضي المراقبة، إذ جعلهم مسؤولين عن توزيع أنصبة الأرباح الصورية، بالإضافة إلى مسؤوليتهم في حالة الإفلاس، وهي مسؤولية قائمة حتى ثبوت العكس.
كما ألغى القانون التعديلي موجب تعيين مفوّض مراقبة إضافي، وهو عبءٌ تحرّرت منه جميع الشركات المساهمة التي كانت تتكبّد في هذا الإطار مصاريف سنوية غير مبرّرة.وقد أصبح تعيين مفوّض مراقبة إضافي إختيارياً، في حال طلب ذلك مساهم أو مجموعة مساهمين يمثّل أي منهما 10٪ من رأس مال الشركة على الأقل.
أمّا نقطة التحوّل في القانون التجاري اللبناني، فتكمن في تعديل المرسوم الإشتراعي رقم 35/1967 (المُتعلّق بالشركات المحدودة المسؤولية)، لجهة إمكانية تأسيس شركة محدودة المسؤولية من شخصٍ واحد فقط. وقد تمّ هذا التعديل بالتزامن مع تعديل المادة 844 من قانون الموجبات والعقود، إذ بات تعريف الشركة الوارد في المادة المذكورة يتضمّن إمكانية تأسيس الشركة "بعملٍ صادرٍ عن إرادة شخص واحد".
صحيحٌ أنّه سبق هذا التعديل إقرار القانون الذي يتيح للشخص الواحد تأسيس شركة أوف شور، إلاّ أنّ أهميّة الشركة المحدودة المسؤولية يعطي هذا التعديل رونقاً خاصاً. وقد تضمّن التعديل سدّاً لبعض الثغرات في المرسوم الإشتراعي 35/1967، منها على سبيل المثال المادة 15 المتعلّقة بممارسة الشركة حق الأفضلية في تملّك حصص الشريك الراغب في التفرّغ عنها، على أن يعود هذا الحق للشركاء الآخرين في حال عدم ممارسته من الشركة.
وأقر التعديل باباً جديداً في قانون التجارة (وهو الباب التاسع) متعلّقاً باندماج الشركات وانشطارها، إذ عرّف الإندماج والإنشطار وحدّد شروط كلّ منهما ومفاعيله تجاه الشركة المعنيّة والشركاء فيها وأصحاب سندات الدين والدائنين، وهو أمرٌ ضروري من شأنه رفع الإلتباس الذي يحيط بعمليات الإندماج والإنشطار الحالية نظراً لغياب النص.
أمّا على صعيد الإفلاس، فقد أدخل القانون بعض التعديلات على آثار الإفلاس على أموال زوج المفلس، من دون استعمال أي عبارات من شأنها التمييز بين الرجل والمرأة، وهي خطوة إيجابية ترمي إلى تعزيز المساواة بينهما.
المصدر: مستقبل ويب https://bit.ly/2UJgC3z