#الثائر
- سوزان أبو سعيد ضو
بعد أن تنفس المواطنون الصعداء، بعد مواقف إيجابية من وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن ووزير البيئة فادي جريصاتي، حيال إيقاف الكسارات والمقالع والمرامل العاملة دون تراخيص أو تحت "بدعة" المهل الإدارية، أتت جلسة مجلس الوزراء لتنسف كافة الجهود والآمال قبل أن تبصر النور أية إجراءات تنظيمية في هذا المجال، وثمة سابقة واحدة لكنها لم تعمر ودفنت في المهد حين أقدم وزير البيئة السابق محمد رحال على إيقاف الكسارات والمرامل والمقالع، ليُواجه بإجماع مجلس الوزراء في حينه بتمديد المهل والرخص الإدارية وغيرها!
جريصاتي
وكان الوزير جريصاتي قدم للمرة الاولى ورقة جدية تستحق النقاش لتنظيم قطاع المرامل والكسارات، بعنوان مسودة "السياسة المتكاملة لقطاع محافر الرمل والاتربة والمقالع والكسارات"، وقد تم إقرارها من قبل مجلس الوزراء، ووفقا لجريصاتي فإن هذا الأمر يمكن أن يوفر الكثير من التلوث والتشويه للطبيعة اللبنانية، وتأمين مداخيل للخزينة بمليارات الدولارات، إذ شدد خلال لقاءاته على أن أصحاب المقالع يجب أن يرخصوا من الدولة ويدفعوا ضريبة للخزينة، مؤكدا أن الواقع لن يبقى على ما هو عليه، وبالتنسيق مع وزيرة الداخلية بهدف ضبط المخالفات والحفاظ على ثروتنا البيئية للأجيال القادمة.
كما نوه جريصاتي بموقف وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن "لرفضها استمرار الفوضى التي كانت تعم هذا القطاع"، وأن ما يسمى بـ "مهل إدراية" هو ليس مخالفا للقانون فحسب، انما كما رأت هيئة التشريع والاستشارات في قرارها الصادر عام 2005 "هي أعمال إدارية معدومة الوجود"، وأنها أحد أوجه الفساد الذي كان موجودا في لبنان، وأن اللافت للانتباه في هذه المهل، أو مثيلاتها أنها كانت القاعدة فيما الترخيص هو الاستثناء! فبعد مراجعة سجلات وزارة البيئة، ليس ثمة رخصة واحدة لما يعرف بمقالع الحجارة والكسارات والمرامل، في وقت هناك حصرية لاعطاء التراخيص للمقالع والكسارات بالمجلس الوطني للمقالع والكسارات.
وقد رفض جريصاتي إعطاء مهل ادارية رغم كل الضغط، ووفقا له، ليس لديه أي صلاحية بإعطاء رخصة، وكل رخصة صادرة سابقا وموقعة من وزير بيئة أو من وزير داخلية هي خارجة على القانون، الذي ينص على أن المجلس الوطني يعطي الموافقة والمحافظ يصدر الرخصة، فهناك مجلس يمثل 8 وزارات معنية ولديه كل الشرعية لاعطاء التراخيص ضمن القانون 8803.
المغربي
وفي هذا المجال، قال الناشط البيئي سامي المغربي من بلدة كفرسلوان في المتن الأعلى – قضاء بعبدا والتي استباحتها كسارات التويتة والرثمانية لـ "غدي نيوز": "إن تمديد المهل الإدارية يضمن عمل الكسارات بدون رخص، واقتباسا لكلام الوزير جريصاتي لدينا حاليا 1200 مقلع تقريبا في لبنان بينهم واحد تقدم بطلب رخصة، وهناك مرملة واحدة مرخصة في لبنان، ما يعتبر جريمة مستمرة، مع استباحة الجبال والوديان والمناطق كافة".
مسرحية تكافئ المجرم
وأضاف: "هذا التمديد هو برأينا مسرحية تكافئ المجرم، خصوصا وأن القوانين الناظمة موجودة ووافية، وبالمقابل فليس عملها غير قانوني فحسب، بل لا يمكن مراقبة تجاوزاتها، ولا إصلاح ارتكاباتها، فالوزارة تفتقر للكوادر والمراقبين لعمل هذه الكسارات، وهذا النقص يصل إلى العدم إذ يوجد إثنان فقط على مستوى لبنان، وبالتالي لا يمكن مراقبة عملها بشكل دقيق وفرض قانون تنظيم عملها لجهة التزامها بالمعايير البيئية المطلوبة لجهة الإرتفاعات المسموحة، وقد وصلت في التويتة إلى ارتفاع شاهق وصل إلى 240 مترا عموديا، واستخدام المتفجرات ونيترات الأمونياك بكميات ضخمة تصل لتفجير 30 طن دفعة واحدة، مما تسبب بزعزعة الجبال، وتغوير المياه وتلويث الهواء والمياه الجوفية، وتهديد والحاق الضرر بالطرقات العامة، وتهديد الصحة والسلامة العامة، ناهيك عن نهب مقدرات الطبيعية العائدة لمشاع كفرسلوان"، وختم بالطلب "بمنع العمل مجددا بهذه الكسارات تحت أي حجة كانت".
عيناتي
من جهته، قال رئيس لجنة كفرحزير البيئية جورج عيناتي لـ "غدي نيوز": "كان الأجدر بمجلس الوزراء زيارة منطقة الكورة، وعقد جلسته في أرضها المنكوبة قبل اتخاذ قراره بالتمديد للمقالع والكسارات، ليطلع على هول وفداحة الجريمة، وكم التدمير الذي يزيل منطقة بأكملها من الوجود، وليعلم أن مطامع مصانع الإسمنت هي أكبر من مجرد مقالع، هي اعتداء على لبنان الأخضر وتركه بؤرة للتلوث".
ودعا الوزراء "لمشاهدة الواقع المرير الإرهابي، الذي أزال جبال الكورة وينابيعها وأملاكها العامة من الوجود، وتسبب من جانب آخر بآلاف الوفيات بسبب معامل الإسمنت منها أمراض خطيرة في الجهاز التنفسي ومرض السرطان وسائر الأمراض الخطيرة، وحول الكورة إلى ما يمكن اعتباره من أسوأ الأماكن في لبنان والعالم، لجهة التلوث البيئي، والواقع الصحي المأسوي من جهة أخرى، فهم باتخاذهم قرار التمديد لم يعلموا أن قلب لبنان الأخضر يزال من الوجود".
كفى متاجرة بالعمال
وأشار عيناتي إلى أنه "في كافة قوانين العالم ومنها القانون الفرنسي الذي أخذ منه القانون اللبناني لا يوجد تعبير (المهل)، فهل تريد إعطاء المجرم مهلة ليزيد من تنفيذ جريمته؟ هذا ما نرفضه ونستنكره وسنتخذ الإجراءات المناسبة قريبا لإيقاف هذا القرار وإسقاطه".
وأضاف:" من جهة أخرى، يهمنا معرفة كل من صوّت ويسوق لمثل هذه القرارات من مراجع سياسية ودينية، لأنه من المؤكد أن هناك محاصصات وحصص مخصصة لهم من صناعة الإسمنت التي تحقق أرباحا طائلة من تراب الكورة، لا سيما وأن طن الإسمنت لا يكلف إلا دولارات قليلة جدا، والسبب واضح بالإضافة إلى ارتكابات هذه الصناعة على البيئة والصحة، ووجودها بمناطق خاطئة وقريبة من التجمعات السكنية ومن مركز صناعتهم ما يقلل كثيرا من التكلفة التي تعد الأقل في العالم، وبالمقابل تبيعه لنا بأعلى سعر في العالم، لذا كان واجب مجلس الوزراء دراسة الموضوع بدقة، وأن يبادر للمحافظة على طبيعة لبنان الأخضر باستيراد الإسمنت".
وطالب "من هذه المصانع أن تقدم لائحة بجميع الموظفين لديها، وخصوصا في الكورة، إذ تقول أن لديها 6 آلاف عامل، بينما نعلم أن لديها بضع مئات، فكفى متاجرة بالعمال، ومن جهة ثانية نطالب معالي وزير البيئة بزيارة مناطق لم يتمكن من مشاهدتها خلال وجوده في منطقة الشمال، فعلى بعد عدة مئات من الأمتار، هناك مكبات المواد السامة الخطيرة، وكذلك التوسع الخطير لمقالع معامل الإسمنت الذي لم يتمكن من مشاهدته، بسبب الوحول والطقس العاصف والممطر، وقد قام أصحاب الشركات بعرض ما قاموا به من زراعة لأشجار الكينا.
خطة سرية
وقال عيناتي: "كما هو معروف فقد منعت زراعة الكينا في العالم لا سيما في المناطق التي توجد فيها مياه جوفية، وهو ما نعتبره مشاركة في المزيد من التدمير، كما نطالبه بأن يطلع على أكوام مادة الكلينكر والمواد الأولية التي تكفي مصانع الإسمنت لسنوات طويلة، وزيارة مقالع قرية كفرحزير الخطيرة والرهيبة، والتي لم يأخذوه إليها، أما بالنسبة للخطة السرية التي تحضرها مصانع الإسمنت، فمن بنودها، إنشاء حزام نقل جديد، والأدهى أنهم يدعون أنها خطة بيئية، وأنها تخفف من الغبار الذي يرتفع من رمي الأتربة من ارتفاعات شاهقة، ومن كثافة الإنتاج، ومن سرعة العمل وليس من النقل فقط، فهذا الحزام لتموين الفرن الجديد المزمع إنشائه، وبهدف زيادة الإنتاج، وعلى حساب قتل الناس وتدمير البيئة، ومن البنود الأخرى إحراق مادة RDF من النفايات كوقود لهذه الصناعة داخل الأفران، وكلنا نعرف أنه ليس هنا فرز فعلي للنفايات، وسنتصدى لكل هذه الخطط الجهنمية وكل من يشارك ويوافق عليها كائنا من كان من الوزراء ورؤساء البلديات والجمعيات، هو شريك في جريمة قتل أهل الكورة وبيئتها".
ولفت عيناتي إلى أن "هذه المصانع تحتاج مناطق شاسعة في الصحاري مثل السعودية، وهذا الفعل سيساهم في جعل لبنان صحراء مثل السعودية، وخلال مهلة ثلاثة شهور سيتمكنون من إزالة جبال بأكملها، ومناطق خضراء وآلاف الأشجار، وكان المفترض بمجلس الوزراء قمع المخالفات والجرائم البيئية بدلا من المساهمة في استمرارها، فالخطط المعروفة والمشبوهة، ونشر العملاء المعروفين والمشبوهين، فلم تعد تخفى علينا خطط مصانع الإسمنت، وشركائها ومن يتآمر معها، على كل مقومات المنطقة وسنوقفهم بالطرق المناسبة والمتاحة، لأننا أصحاب الحق والأرض، فالحلول موجودة هناك ينابيع عذبة قبالة الشاطئ الكوراني وقبالة صور وعلى طول الشاطئ اللبناني، ليصدر إلى دول الخليج ويستورد بثمنها البحص والرمل والإسمنت، وهو موضوع طرحته شركة فرنسية أمام أحد رؤساء الجمهورية السابقين، والذي كان متحمسا لهذا الأمر، وتم إفشاله بإيعاز من الفاسدين والذي ثبت أن لديهم حصصا في كافة الصفقات، وختم عيناتي "ما حصل يعتبر وصمة على جبين لبنان".
ونقلا عن الناشط سامي المغربي، فإن مجموعة من الناشطين بصدد تقديم طعن بقرار المهل في مجلس شورى الدولة بهدف إلغائه.
ومن جهتنا في موقع "غدي نيوز" نتساءل من يراقب عدم استخدام تقنيات المتفجرات، والامتثال للشروط البيئية المحددة في المرسوم 8803/2002 وفي القرارات التطبيقية له الصادرة عن وزارة البيئة، وأية شروط بيئية أخرى تفرضها وزارة البيئة، وهل يؤدي الأمر الواقع بعد تمديد المهل، لاعتباره حقا مكتسبا لأصحاب هذه الاستثمارات الجائرة بحق الوطن وبيئته وطبيعته!