#الثائر
– أنور عقل ضو
من اعترض على مفردة "الأقلية المسيحية في الشرق"، تلك التي استخدمها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلاله زيارته التاريخية لموسكو، هو بالتأكيد لا يعيش في هذا العصر، أو يظن نفسه في كوكب آخر لا يشبه الأرض، أو هو مصدق في مكان ما أن هذا العالم تجاوز عقدته "الـْـــهُـــوِيـــَّاتية" وسط صراعاته المحمومة بين شمال يزداد ثراء وجنوب يئن من فقر، وبين أعراق وجنسيات وإثنيات تتصارع منذ فجر التاريخ، وبين انتماءات تحلق فيها الأديان بعيدا من منابع الإيمان الحقيقي وتأخذنا إلى خطاب التعصب الكراهية.
آثر الرئيس عون أن يكون واضحا في توصيفه "الأقلية المسيحية في الشرق" وتوجيه الشكر إلى الرئيس فلاديمير بوتين على الدور الروسي في المنطقة، لا سيما يوم تعرض مسيحيو سوريا والعراق للإبادة وفرضت عليهم الجزية واحتلت كنائسهم وأديرتهم، ولمن خانته الذاكرة فليعد قليلا إلى الوراء، عندما احتل تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي التكفيري (داعش) مدينة الموصل العراقية، ماذا فعل الغرب المسيحي للذود عن كرامة إنسانية استبيحت ودماء زكية هُدرت؟
يوم سقطت الموصل، سارع الرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا هولاند لإعلان موقف بدا ملتبسا وأثار علامات استفهام كثيرة، حين أعلن استعداد فرنسا استقبال المسيحيين العراقيين، وهم يمثلون أربع عشرة طائفة من كلدان وآشوريين وسريان (يعاقبة ونساطرة) وأقباط وغيرهم، أي قبل أن تنضم فرنسا في مَا بعد إلى التحالف الدولي لمحاربة " داعش ".
موقف هولاند وقتذاك أكد أن الغرب لا ينظر إلا بعين مصالحه لموضوع الأقليات، وبدلا من أن تقود فرنسا تحالفا دوليا، بالتنسيق مع دول العالم، دفاعا عن المسيحين وسائر الأقليات من غير المسيحيين أيضا كاليزيديين على سبيل المثال، اكتفى هولاند بفتح أبواب فرنسا أمام نزوح جديد لإفراغ المنطقة العربية من أحد أهم مكوناتها التاريخية السابقة لظهور الإسلام، خصوصا في العراق، وكأنه في لحظة ما شعر أن ثمة حاجة لمواجهة المهاجرين المسلمين عبر تسهيل هجرة مسيحيي الشرق إلى فرنسا.
لم يتحدث الرئيس عون عن الأقليات المسيحية من زاوية ضيقة ومفاهيم غير لصيقة بواقع نعيش تداعياته الإنسانية في عالم افتقد الكثير من قيم تحترم خصوصية الأقليات، والرئيس عون برغم أنه يمثل جميع اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب، هو أيضا يمثل بحضوره رمزية استثنائية باعتباره الرئيس العربي الوحيد الذي ينتمي إلى فضاء المسيحية، وهو مؤتمن على مسيحيي الشرق أيضا، ومن لم تعجبه عبارته في موسكو، فهو بالتأكيد يعيش خارج الزمن وبعيدا من جغرافيا التعصب والإقصاء!