#الثائر
– أنور عقل ضو
في سنوات الحرب الأهلية وما قبلها أيضا، كان لبنان الرسمي محكوما بعلاقته مع الغرب، وظل أسير توجهات سياسية أقعدته عن نسج علاقات طيبة مع سائر دول العالم، وكان من بين المحظورات عدم الاقتراب من الإتحاد السوفياتي السابق ومنظومة الدول الشيوعية في أوروبا الشرقية، إلا في حدود ما تمليه العلاقات الدبلوماسية لا أكثر.
تلك المرحلة كانت صعبة على لبنان، أي في أوج الحرب الباردة بين القوتين العظميين (الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي)، فضلا عن أنها شهدت بداية الصراع العربي – الإسرائيلي، وكان لبنان في قلب معادلة هذا الصراع مع تنامي الحضور الفلسطيني على الساحة الداخلية، وكان هذا الحضور من بين عوامل عدة أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية، وما تبع ذلك دفعنا أثمانه أضعافا مضاعفة، كوارث ودمارا وويلات ومآس.
بعد الانهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الشيوعية في أوروبا، وفي نشوة الإنتصار الأميركي، استشرف فيلسوف دانماركي الخطر المحدق بالعالم الرأسمالي، حين قال: من نحن؟ وإلى أين ذاهبون؟ وكيف نتوحد إن لم يكون ثمة عدو نواجهه (يقصد الاتحاد السوفياتي)؟ لم يلق أحد بالا لهذه التساؤلات، لا سيما خلال فترة الصعود الأميركي في لحظة من انعدام الوزن عاشها العالم مع بروز الولايات المتحدة كقوى عظمى وحيدة، فيما كانت روسيا تلملم تركة الاتحاد السوفياتي السابق، فكانت حروب أميركا على أفغانستان والسودان والعراق ويوغسلافيا، قبل أن يتبدل الدور الوظيفي لتنظيم "القاعدة" من مواجهة العدو السوفياتي إلى مواجهة الولايات المتحدة، وانقلب على من كان يموله مع بروز الحضور العربي في التنظيم وسطوع نجم أسامة بن لادن.
وثمة قراءات كثيرة لتلك المرحلة، ولكن جاء تناولها بعجالة لنستقرىء اللحظة السياسية اليوم، ولنصل إلى ما ساقه الفيلسوف الدانماركي في غمرة "الانتصار" الأميركي، حين طرح إشكالية الغرب الرأسمالي بدون عدو واضح (الشيوعية)، وها هو الغرب اليوم يعيش دون فزاعة توفر له حشد الطاقات لمواجهة الخطر الأحمر، أما العدو الصاعد والمتمثل بالتيارات الأصولية بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة كبنية تنظيمية متراصة، وإن لم يتلاشَ خطره، إلا أن اندحار "دولته" حد وقلص من دوره.
انطلاقا من مجمل هذه المتغيرات، يمكن الإحاطة بزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى موسكو، فالزيارة ليست محكومة بصراع قطبين رأسمالي وشيوعي، ومن هنا تحول لقاء فلاديمير بوتين والرئيس عون إلى حدث يُقرأ من معطيات تؤكد أن اللقاء أكثر من زيارة، في عالم بات مشرعا على نافذتين، أما لبنان فقد تحرر من قيود الحرب الباردة!