#الثائر
- اكرم كمال سريوي
إن اللبناني بطبيعته مفتورٌ على الغرور والتكبر ، وعندما يصل الى موقع ما ، يُصيبه ما اصاب الثعلب في الصباح عندما خُدع بطول ظله فقرر أنه سيفترس جملاً ، فجاب طول الجبل وعرضه وبعد ان أنهكه التعب وانتصف النهار رأى حجمه الحقيقي وعرف أنه بالكاد قادرٌ على صيد دجاجة .
وليست هذه الميزة الوحيدة في اللبناني ، فهو وان كان يرنو الى اوروبا وحضارتها من على الضفة الشرقية للمتوسط ، إِلَّا انه يبقى عربيٌ بطبعه يسمع بأذنٍ واحدة رغم ان الله خلق له اثنتين، ويتكلم بعدة السن رغم ان له لسانٌ واحد ، يعشقُ الإطراء والمديح، ويضيق صدره بأي انتقادٍ لشخصه المُعظّم حتى ولو كان حقيقةً مجردة ، فهو فوق الشبهات ومنزهٌ عن الأخطاء .
وربما هو غير ملام ، فالعادة طبيعة ثانية في الانسان ، والترهيب عادةٌ أُسرية في مجتمعنا يُمارسها الزوج على زوجته والأم على اولادها والأخ الكبير على الصغير فينطق الأقوى ويصمت الأضعف وحتى ممنوعٌ عليه التفكير
فكيف نُريد ممن تجذّر فيه هذا الأسلوب القمعي ان يكون ديمقراطياً ويتقبّل الرأي الآخر ؟؟؟
اما في التاريخ فلقد فعل فينا عقلُ بني عثمان فعله من فساد ورشاوى وتسلط وظلم واستبداد ، ولم تكن حقبة الانتداب الفرنسي أفضل بكثير فالمفوض السامي كان مطلق الصلاحيات يُعلّق الدستور ساعة يشاء ويُطبّقه حين يشاء ، ويسنُ القوانين على هواه . وهكذا ورث اللبناني هذا الكم من الأعراف والتقاليد حتى بات المسؤول في اي موقعٍ كان ، يحلم ان يحظَ بسطوةِ الجزار وهيبةِ الامير بشير ، فيُصاب في الحد الأدنى بجنون العضمى وقد يخال نفسه في مصاف آلهة اليونان فيتجسد لدينا هيرميس وآريوس ونحمد الله انه لم يتجسد زيوس بعد .اما شعبنا العظيم فيُهلل لقدسية حُكّامه ويُقدّم لهم فروض الطاعة عندما يجلسون على الكرسي ويزفّهم بأقذع العبارات عند مغادرتهم لها .
عفواً جبران فأُمّتُك ما زالت في حالٍ أسوأ مما كانت عليه قبل مئة عام .
ومعذرة سعادة فنحن غير قادرين على جمع شتات لبنان فكيف بالأمة السورية ؟ وعذراً كمال جنبلاط فبعد سبعين عاماً على انطلاق حزبك التقدمي العلماني أصبحنا اكثر طائفية ومذهبية ، ونستميحك عذراً فنحن لا نستطيع ان نذكر مبادئك الاشتراكية خشية ان تخدش مشاعر اصحاب المليارات من حُكّامنا الأفاضل !!!
فبيروت التي شكّلت متنفساً للحرية ولجأ اليها الكتاب والمفكرون العرب هرباً من أنظمة الظلم والاستبداد ، عادت تكسر أقلاماً وتكم افواه . فأغلقت محطات تلفزة واغتالوا فيها اقلام سمير قصير وجبران التويني ورفعوا العصا في وجه كل من يجرؤ على انتقادهم ، ولم ينجُ سوى من يعمل في وسائل ترعاها عين المذهبية والزعامة وتنطق بما يريده الحاكم وتتحول من الاعلام الى الدعاية والإعلان لأبداعاتهم العظيمة.
ومع غزو الانترنت سقط ميثاق الشرف الإعلامي وانحدرت لغة التخاطب الى ادنى مستوى وأصبحت الشتائم تملأ صفحات التواصل الاجتماعي وهي مهينة بالطبع لاصحابها أولاً وتُشكل خطراً يجب عدم الانزلاق اليه ويجب ضبطه دون المساس بحرية الرأي .
صعب وشاق مسار الاصلاح في بلد يتمسك زعماؤه بنظامٍ يجعل المواطنين شراذم شعب يحكم فيه الانتماء المذهبي امكانية الحصول على هذه الوظيفة او تلك وتحل التبعية مكان الكفاءة وتفصّل القوانين وفق مصالح خاصة ويتم تطبيقها بشكل انتقائي ويُضرب بالمساواة عرض الحائط ليشكل ذلك اكبر انتهاكٍ لحقوق الانسان وابشع أشكال التمييز والعنصرية.
ويبقى شعبنا العظيم قابعاً في دهاليز سجون هذه الطائفية المقيتة يأكل لحم بعضه بعض ، ويقتات على فُتات ما يرُمى له من فضلات زعمائه المبجلين المعظمين الراغدين في قصر التبعية العمياء يحرسهم جوقدار ويمنعنا من الخروج اليهم .
تباً لك يا جوقدار كم انت ظالم ! فاعلم اننا سننتظرُ جيلاً ثائراً ، يهدم اقبية جهلك ، ويكسر سيفك واستبداد أسيادك ليبني وطناً يسوده العدل والمساواة .