#الثائر
- سوزان أبو سعيد ضو
"عندما كان عمري حوالي ثماني سنوات، سمعت لأول مرة عن شيء يسمى تغير المناخ أو الاحتباس الحراري ، كان هذا شيئا أوجده البشر من خلال طريقة حياتنا، قيل لي بضرورة إطفاء الأنوار لتوفير الطاقة، وإعادة تدوير الورق لتوفير الموارد، أتذكر أنني كنت أظن أنه من الغريب أن يتمكن البشر، وهم نوع من الكائنات من بين الأنواع الأخرى، من تغيير مناخ الأرض، لأنه إذا كنا فعلا، وإذا كان يحدث بالفعل، فلن نتحدث عن أي شيء آخر".
بهذه المقدمة بدأت ابنة السادسة عشرة غريتا ثورنبرغ حديثها على موقع Tedx، ونورد هنا الترجمة لمقتطفات من هذا الحديث، وما قامت به إبنة السادسة عشرة ربيعا، خصوصا مبادرتها بتظاهرة عالمية للطلاب من أجل المناخ، فضلا عن ترشيحها من قبل ثلاثة خبراء في القانون لنيل جائزة نوبل للسلام لما كسبته حملتها من زخم، لأجل البيئة والسلام العالمي.
منزلنا مشتعل
وغريتا طالبة في الصف التاسع من ستوكهولم تعيش مع والديها وشقيقتها بياتا، وأدركت في سن مبكرة الفجوة الكبيرة بين ما كان يقوله العديد من خبراء المناخ والإجراءات التي تتخذ في المجتمع، لذا قررت أن تبادر للقيام بأي شيء للحد من هذا الخطر الذي يتهدد العالم، ونتيجة لهذا، قامت تاليا بإقناع عائلتها بتبني أسلوب حياة مستدام لجهة النظام الغذائي النباتي والإمتناع عن الطيران بواسطة الطائرة.
في 23 كانون الثاني (يناير) 2019، وبعد رحلة قطار استغرقت 32 ساعة، وصلت غريتا إلى المنتدى الاقتصادي العالمي Economic Forum في دافوس، لمواصلة حملتها المناخية، منتقدة العديد من المندوبين والمشاركين الذين وصلوا مستخدمين الطائرة في 1500 رحلة طيران خاصة.
وقالت في كلمتها أمام لجنة دافوس "بعض الناس، وبعض الشركات، وبعض صانعي القرار على وجه الخصوص، يعرفون القيم التي لا تقدر بثمن والتي يضحون بها، لاستمرار الحصول على الأموال الكثيرة، وأعتقد أن العديد منكم هنا اليوم ينتمون إلى هذه المجموعة من الناس"، كما حذرت قادة العالم في وقت آخر قائلة "منزلنا مشتعل، أريدكم أن تشعروا بالذعر، أريدكم أن تشعروا بالخوف الذي أشعر به كل يوم، البالغون مدينون للشباب، أعطوهم الأمل".
أسود أو أبيض
وفي حديثها للموقع عينه، تابعت غريتا: "بالنسبة لي، كان الأمر غير واقعي للغاية، لذلك عندما كان عمري 11 سنة، مرضت، فقد أصبت بالاكتئاب، وتوقفت عن الكلام وعن تناول الطعام، وخلال شهرين، فقدت حوالي 10 كيلوغرامات من الوزن، في مَا بعد، تم تشخيصي بإصابتي بمتلازمة أسبرغر (نوع من أمراض التوحد) Asperger Syndrome والوسواس القهري Obsessive-Compulsive Disorder (OCD) والخرس الانتقائي Selective mutism، وهذا يعني أنني أتحدث فقط عندما أعتقد أنه ضروري، وبالنسبة لأولئك منا الذين يعانون من هذه الحالة، فكل شيء تقريبا أسود أو أبيض، نحن لسنا جيدين في الكذب، وعادةً لا نستمتع بالمشاركة في هذه اللعبة الاجتماعية التي يبدو أن البقية مولعة بها، أعتقد ومن نواح كثيرة، أننا المصابون بالتوحد الأشخاص الطبيعيون، وبقية الناس غريبون للغاية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بأزمة الاستدامة، حيث يواصل الجميع قولهم إن تغير المناخ يمثل تهديدا وجوديا، وأهم قضية على الإطلاق، ومع ذلك يواصلون حياتهم كما يفعلون من قبل، لا أفهم ذلك، لأنه إذا كان على الانبعاثات أن تتوقف، فعلينا إيقافها، بالنسبة لي هذا أسود أو أبيض، ولا توجد مناطق رمادية عندما يتعلق الأمر بالبقاء على قيد الحياة، إما أن نواصل في الحضارة أو لا، لذا علينا أن نغيّر ونتغير".
الإنقراض السادس للأنواع
وأشارت غريتا إلى أنه "على البلدان الغنية مثل بلدى السويد البدء في خفض الانبعاثات بنسبة 15 بالمئة على الأقل كل عام، وهذا ما يمكننا فعله للبقاء دون وصول الاحترار المناخي إلى درجتين مئويتين، ومع ذلك، وكما أثبتت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ مؤخراً ، فإن هدف الوصول إلى دون 1.5 درجة مئوية من شأنه أن يقلل بشكل كبير من آثار المناخ، ولكن لا يمكننا إلا أن نتخيل ماذا يعني ذلك لتخفيض الانبعاثات، كنت أعتقد أن وسائل الإعلام وكل واحد من قادتنا لن يتحدث عن أي شيء آخر، لكنهم لم يذكروا ذلك أبدًا،كما لم يذكر أي شخص غازات الدفيئة الموجودة بالفعل في النظام الكوكبي للأرض، كما أن تلوث الهواء يؤدي بالفعل إلى ارتفاع في درجة الحرارة، لذلك عندما نتوقف عن حرق الوقود الأحفوري، يكون لدينا بالفعل مستوى إضافي من الاحترار ربما يصل إلى 0.5 إلى 1.1 درجة مئوية، علاوة على ذلك ، لا يكاد أي شخص يتحدث عن حقيقة أننا في خضم الإنقراض السادس للأنواع، مع انقراض ما يصل إلى 200 نوع كل يوم، وأن معدل الانقراض اليوم هو ما بين 1000 و10000 مرة أعلى من المعدل الطبيعي، لا يتحدث أي شخص عن جانب من جوانب العدالة أو المناخ، المنصوص عليه بوضوح في كل مكان في اتفاقية باريس، وهو أمر ضروري للغاية لجعله يعمل على نطاق عالمي، وهذا يعني أن الدول الغنية تحتاج إلى خفض الانبعاثات إلى الصفر خلال 6 إلى 12 عاما، خصوصا مع سرعة الانبعاثات اليوم، وهذا يعني أن الناس في البلدان الفقيرة يمكن أن تتاح لهم الفرصة لرفع مستوى معيشتهم من خلال بناء بعض البنية التحتية التي بنيناها بالفعل في بلادنا، مثل الطرق والمدارس والمستشفيات ومياه الشرب النظيفة والكهرباء وما إلى ذلك، فكيف يمكننا أن نتوقع من دول مثل الهند أو نيجيريا أن تهتم بأزمة المناخ إذا كنا نمتلك بالفعل كل شيء ولا نقدم التزاماتنا الفعلية باتفاق باريس؟".
أكوام من المباني المدمرة
وتساءلت غريتا: "لماذا لا نخفض انبعاثاتنا؟ لماذا هي تزداد في الواقع؟ هل نتسبب عمدا في انقراض جماعي؟ هل نحن أشرار؟ لا بالطبع لا، يستمر الناس في القيام بما يقومون به لأن الغالبية العظمى ليس لديهم أدنى فكرة عن العواقب الفعلية لحياتنا اليومية، ولا يعرفون أن التغيير السريع مطلوب، نعتقد جميعا أننا نعرف، ونحن جميعا نعتقد أن الجميع يعرف، لكننا لا نعرف، لأنه كيف يمكننا؟ إذا كانت هناك بالفعل أزمة، وإذا كانت هذه الأزمة ناجمة عن انبعاثاتنا، فستشاهد على الأقل بعض العلامات، فلم يقتصر الأمر على المدن التي غمرتها المياه، وعشرات الآلاف من القتلى، ودول بأكملها تسوى إلى الأرض إلى أكوام من المباني المدمرة، سترى بعض القيود، لكن لا، ولا أحد يتحدث عن ذلك، لا توجد اجتماعات طارئة، ولا عناوين ، ولا أخبار عاجلة، لا أحد يتصرف كما لو كنا في أزمة، حتى معظم علماء المناخ أو السياسيون الأخضر يواصلون الطيران حول العالم، ويأكلون اللحوم والألبان، إذا قدر لي أن أعيش 100 عام، سأكون على قيد الحياة في عام 2103، لذا عندما تفكر في المستقبل اليوم، لن تفكر ما بعد عام 2050، فبحلول ذلك الوقت، سوف وفي أفضل الأحوال، لن أعيش حتى نصف حياتي".
من أجل المستقبل
وأضافت غريتا: "ماذا يحدث بعد ذلك؟ في العام 2078، سأحتفل بعيد ميلادي الخامس والسبعين، إذا كان لدي أطفال أو أحفاد، فربما سيقضون معي هذا اليوم، ربما سيسألونني عنكم، الأشخاص الذين كانوا حولي في العام 2018، ربما سيسألون عن سبب عدم قيامكم بأي شيء بينما كان هناك مجال ووقت للعمل، ما نفعله أو لا نفعله الآن سيؤثر على حياتي كلها وعلى حياة أطفالي وأحفادنا، ما نفعله أو لا نفعله الآن، لا يمكن التراجع عنه أمامي وأمام جيلي في المستقبل. لذلك عندما بدأت المدرسة في آب (أغسطس) من هذا العام، قررت أن هذا لن يستمر، جلست على الأرض خارج البرلمان السويدي، أضربت عن المدرسة من أجل المناخ، يقول بعض الناس أنخ يجب أن أكون في المدرسة بدلاً من ذلك، يقول بعض الناس أنه يجب علي أن أدرس لأصبح عالمًا في المناخ حتى أتمكن من (حل أزمة المناخ)، لكن أزمة المناخ قد تم حلها بالفعل، لدينا كل الحقائق والحلول، كل ما علينا فعله هو أن نستيقظ ونتغير، ولماذا يجب أن أدرس من أجل المستقبل الذي لن يكون قريباً عندما لا يقوم أحد بأي شيء على الإطلاق لإنقاذ هذا المستقبل؟".
وتساءلت أيضا: "ما الهدف من حقائق التعلم في النظام المدرسي عندما لا تعني أهم الحقائق التي يقدمها أرقى العلوم في نفس النظام المدرسي شيئا واضحًا لسياسيينا ومجتمعنا؟ يقول بعض الناس أن السويد مجرد بلد صغير، وأنه لا يهم ما نقوم به، لكنني أعتقد أنه إذا كان بإمكان عدد قليل من الأطفال الحصول على عناوين الصحف في كافة أنحاء العالم بمجرد عدم الذهاب إلى المدرسة لبضعة أسابيع، تخيل ما يمكننا جميعا أن نفعل معا إذا كان يريد كل منا التغيير!".
العمل لا الأمل
وقالت غريتا: "وصلت إلى نهاية حديثي تقريبا، وهنا يبدأ الناس عادة بالحديث عن الأمل، الألواح الشمسية، طاقة الرياح، الاقتصاد الدائري، وما إلى ذلك ، لكنني لن أفعل ذلك، لقد مرت 30 عاما من الحديث الإيجابي وبيع الأفكار الإيجابية، أنا آسفة، لكن هذا الأمر غير فعال، لأنه إذا كان كذلك، فمن المفترض أن الانبعاثات قد انخفضت الآن، نعم، نحن بالطبع بحاجة إلى الأمل، لكن الشيء الوحيد الذي نحتاجه أكثر من الأمل هو العمل، بمجرد أن نبدأ العمل، يصبح الأمل في كل مكان، لذا فبدلاً من البحث عن الأمل، لنبحث عن الفعل، ثم، وعندها فقط، سوف يأتي الأمل".
وختمت غريتا: "اليوم، نستهلك 100 مليون برميل من النفط كل يوم، لا توجد سياسة لتغيير ذلك، لا توجد قواعد للحفاظ على هذا النفط في الأرض، لذلك لا يمكننا إنقاذ العالم باللعب بالقواعد، لأنه يجب تغيير القواعد، كل شيء يحتاج إلى التغيير - ويجب أن يبدأ اليوم".
اعتصام رمزي
ومنذ اعتصامها يوم 30 أيلول (سبتمبر) 2018، وكل يوم جمعة على مدى 30 أسبوعا، أخذ الطلاب في كافة أنحاء العالم، ينضمون إلى الإعتصام الرمزي ليصل عدد المظاهرات إلى 1693 مظاهرة في أكثر من 106 بلدا و1200 مدينة حول العالم، وقد شمل الإعتصام الرمزي بلدين عربيين هما تونس ولبنان.