#الثائر
لا دين للإرهاب ولا هوية، ودروس التاريخ شاهد على فصول هدمت البنيان الإنساني ورسخت الأحقاد والظلم والاستبداد، ومن أول التاريخ إلى اليوم ما يزال العالم ينأى عن أسبابه الحقيقية، مع استمرار تصدير خطاب الكراهية شرقا وغربا، والصلاة في كل مرة على أرواح من حصدهم الإرهاب لا تكفي، وحين ننظر إلى العالم فلا نجد أكثر من توظيف الأحقاد في خدمة مصالح الدول المفترض أن تتصدى لمظاهر التعصب.
نعم، لا دين ولا هوية للإرهاب، هذا ما تأكد اليوم في الاعتداء الإجرامي الذي استهدف مسجدين في نيوزلندا حيث قضى الأبرياء المصلون ضحية التطرف والإرهاب الذي يمكن ان يطاول، لا بل طاول الجميع من مختلف الاديان والاعراق، ودائما بخلفية إلغاء الآخر، لا التكامل والتفاعل الحضاري والثقافي، ولا نستغرب أن يظل عداد الموت يحصي الضحايا بالمئات.
وإلى الآن، ثمة من لا يعلم أن الإرهاب يستحضر الإرهاب ، والعنف يستحضر العنف، وأن الأمور لا تقارب بغير ترسيخ القيم الإنسانية بعيدا من إرهاصات التعصب الديني، فالإرهاب ضد المسيحيين والإرهاب ضد المسلمين وجهان لعملة واحدة، ولا بد من "تنقية" بعض النصوص الدينية من شوائب تتضمن نظرة دونية للآخر، ولا يعني ذلك أن المشكلة في الأديان، وإنما في إسقاط بعض الأحكام من عصور غابرة إلى يومياتنا في القرن الحادي والعشرين، وهنا الاجتهاد مطلوب لبلورة خطاب إنساني لا يكفر الآخر، وعلى مستوى كل الطوائف والأعراق.
مشكلتنا في هذا العالم المجنون أن الكل ماض في الإعلاء الوهمي للذات، وهذا ما يرسخ صراع الهُويات، ولا ثمة أمل في أن نلج مرحلة من السلام، فالحرب على العراق خاضها جورج بوش الإبن بـ "وحي" رباني، وقد أسر بذلك للرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي لم يتمالك نفسه من السخرية، ولا ننسى غلاة المسلمين، وقد طالعنا أحدهم بأن الإسلام تراجع يوم أوقف الغزوات وساءت أحوال المسلمين بحيث لم يعد هناك غنائم وسبايا وعبيد.
لا منجاة من هذا الإرهاب بغير اجتثاثه من العقول أولا، وتاليا بتحقيق العدالة الإنسانية بين شعوب الأرض قاطبة، وإلا فلن تنعم أي دولة في العالم بالسلام، فاليوم نيوزيلندا وغدا لا أحد يعلم أين سيضرب الإرهاب وكيف سيتمظهر وفي أي لبوس، وسنظل نحصي ضحاياه!