مقالات وأراء

المعلم ظالم؟ أم مظلوم؟

2019 آذار 07
مقالات وأراء المدى

#الثائر

- أكرم كمال سريوي

لطالما شكّل التعليم رسالة سامية حضارية، ففلاسفة اليونان علموا تلامذتهم بالمجان، باعتبار ان التلميذ ناشر لأفكار المعلم وحافظاً لإرثه الفلسفي والعلمي والإنساني، وانطلاقاً من هذه القيم اكتسبت مهنة التعليم أهميتها وأُضفي عليها هالةٌ من التبجيل والاحترام. فهل حافظ معلّمو اليوم على هذه القيم؟

إن التعليم هو أفضل السُبل التي تُساهم في تقدم اي مجتمع، ما يفتح الباب امام مختلف مجالات التطور الاخرى من تقني واقتصادي وصحي وغير ذلك. كما أن رفع المستوى العلمي والتخلص من الأمية واستثمار قُدرات المتفوقين والطلاب الاذكياء، تُشكّل معياراً حقيقياً للتقدّم والازدهار. ومن هنا أهمية دور المعلم والمدرسة في بناء الوطن ونهضته.

لطالما شكا المعلمون في لبنان من تدني رواتبهم في القطاعين الرسمي والخاص مقارنةً مع باقي موظفي الدولة وكانت الشكوى محقة. ثم تم منحهم زيادات ودرجات بلغت نسبة 121 بالمئة، ما جعل رواتبهم عالية نسبياً، خصوصا الأساتذة الجامعيون حيث أصبح راتب الاستاذ في الدرجة ٢٢ ما يقارب تسعة ملايين ل. ل، ويظهر من خلال جداول سلسلة الرتب والرواتب الفارق الكبير بينهم وبين اساتذة التعليم الأساسي.

ولم يتوقف المعلمون عن المطالبة بزيادة الرواتب والدرجات والمباراة المحصورة لتثبيت المتعاقدين منهم. وبالطبع يحق للمعلم ان يتقاضى راتباً لائقاً، لكن يتوجب عليه ايضاً ان يقوم بوظيفته على أكمل وجه، ويراعي ضميره المهني ويحفظ قيم رسالة التربية والتعليم للطلاب الذين هو مؤتمن على تعليمهم وتنشئتهم ومساعدتهم على رسم مستقبلهم.

ولو أجرينا مقارنة بين المدرسة الرسمية والخاصة لوجدنا ان المعلم في المدرسة الخاصة يتقاضى راتباً اقل بكثير من زميله في القطاع الرسمي، فالعديد من المعلمين في المدارس الخاصة تتراوح رواتبهم بين 500 الف ومليون ل. ل، ويقوم بالتدريس 25 الى 30 ساعة في الأسبوع، في حين يوجد قسم كبير من اساتذة التعليم الرسمي الذين ليس لديه اية ساعة تدريس او لا تتجاوز عدد أصابع اليد، وهذا أمّا بسبب كثرة الأساتذة في المدرسة الواحدة، وقلة عدد التلامذة، او بسبب تغيير المناهج او اللغة المعتمدة بحيث استبدلت مدارس عديدة اللغة الفرنسية باللغة الإنكليزية. وبالرغم من ذلك تتفوق المدرسة الخاصة على المدرسة الرسمية. فلماذا يا ترى؟

لا يقتصر إهمال بعض المدرّسين على التهرب من إعطاء الدروس والاتكال على المعلمين الصغار في السن والحديثي الخدمة او المتعاقدين فحسب، بل إن المعلم في المدرسة هو صاحب محال تجارية او مطعم او نجار او سمكري او يُعلّم في مدرسة خاصة، وبالتالي هو يعلم انه سيتقاضى راتبه آخر الشهر من الدولة بغض النظر عن عدد ساعات التدريس او النتائج المحققة في التحصيل العلمي للطلاب، فالرقابة والمحاسبة غائبتان، ولهذه الأسباب فهو مهتم بتجارته او عمله الثاني في المدرسة الخاصة التي ومع الأسف الشديد تدفع دولتنا الكريمة لهذا الاستاذ منح تعليمية كي يُعلّم أولاده فيها وليس في المدرسة الرسمية، حيث هو عمله الأساس وتشير بعض التقديرات الى وجود اكثر من خمسة آلاف استاذ بين فاشل وعاطل عن العمل في المدارس الرسمية.

نعم لقد ظلمت الدولة الأساتذة في مرحلة ما حيث كانت رواتبهم متدنية لكنهم لم يُقصّروا في ابتزاز الدولة واللعب بمصير التلامذة ونفذوا الإضرابات المفتوحة، وجميعنا يذكر مشكلة الامتحانات الرسمية عام ٢٠١٤ مما اضطر وزير التربية حينها الى إصدار إفادات للطلاب. وبغض النظر عما إذا كانت المطالب محقة ام لا، فإن التصرف بعدم مسؤولية تجاه الطلاب يُظهر مدى إهمال بعض الأساتذة لمصلحة التلامذة ومستقبلهم والتعامل بعقلية التاجر والمنفعة الخاصة بعيداً عن قيم ومفاهيم الرسالة التربوية المؤتمنين عليها.

ان الأساتذة وهم الذين يجب ان يكونوا الأكثر درايةً ومعرفةً بمشاكل التعليم الرسمي لم نرَ منهم اية مبادرة او مشروع او منتدى او اجتماع بهدف دراسة او تطوير وإصلاح التعليم، إن من حيث المناهج او تفعيل وتنشيط دور التعليم في المدرسة الرسمية. ولكن مثلهم مثل باقي موظفي هذه الدولة الذين يتصرفون بدافع المصلحة الشخصية دون ان يلتفتوا الى المصلحة العامة او يستشعروا الخطر المحدق، فتراهم يركضون بجشع خلف مطالب لا نهاية لها رغم علمهم بمستوى إنتاجيتهم المتدني.

وللإنصاف والعدالة نقول إن بعض الأساتذة يتمتع بضمير مهني عالي المستوى، واداء متميز، وهم بالرغم من تقدمهم في السن ما زالوا يجهدون في العطاء والتدريس ويرفضون الانكفاء او الاختباء خلف زملائهم، فهؤلاء هم معلمون حقيقيون يستحقون هذا اللقب ويستحقون الاجلال والتبجيل في عيدهم. ولقد اختبرت ذلك بنفسي عندما كنت تلميذاً في مدرسة رسمية في قرية جنوبية صغيرة تدعى الخلوات في قضاء حاصبيا رفض معلموها التخلي عن واجبهم في أحلك الظروف واستمروا حتى اليوم رافضين إغلاق ابوابها، ولطالما نافست هذه المدرسة كافة المدارس الخاصة وخرّجت العديد من المثقفين والأساتذة الذين توزعوا ليعلموا في العديد من المدارس والثانويات، وبالطبع هي ليست الوحيدة في لبنان بل يوجد الكثير من المعلّمين المخلصين في رحاب هذا الوطن. فلهم منّا في عيدهم كل التحية والتقدير وعلى أمل ان يشكّلوا نواة نهضة تربوية وطنية للنهوض بالمدرسة الرسمية والقطاع التربوي في لبنان.

اخترنا لكم
إسرائيل تضع ثلاث خيارات أمام الفلسطينيين.
المزيد
قصف كثيف على غزة يفاقم «الكارثة الإنسانية»... وآمال التوصل إلى هدنة تتلاشى
المزيد
اللعبة انتهت وتم اتخاذ القرار. GAME OVER.
المزيد
التناقض الأميركي
المزيد
اخر الاخبار
بايدن سيلتقي نتنياهو قبل خطابه أمام الكونغرس
المزيد
الرياض تعرب عن «قلقها البالغ» من التصعيد العسكري في الحديدة
المزيد
الفوضى الرقمية: كيف تسبب تحديث خاطئ في شلل عالمي ودفع بأجندات الأمن السيبراني إلى الواجهة؟
المزيد
إسرائيل تضع ثلاث خيارات أمام الفلسطينيين.
المزيد
قرّاء المغرد يتصفّحون الآن
وفد الهيئة الوطنية للمحاربين القدامى عرض مع بصبوص وضع المتقاعدين العسكريين
المزيد
جرحى بإصطدام فان ركاب بعمود إنارة على طريق عام الهرمل
المزيد
البركان الذي سبب تسونامي إندونيسيا "على حافة الموت"
المزيد
ترامب دان أسوأ عملية تستر في قضية قتل خاشقجي
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
لبنان على حافة كارثة جيولوجية!
"واتس آب" يطلق ميزة جديدة لتسهيل المراسلات الصوتية في الأماكن الصاخبة
فيديو.. بسعر 6.2 مليون دولار.. بيع أغلى "موزة" في التاريخ
سابقة.. أول صورة مفصّلة لنجم في مجرّة أخرى غير درب التبانة
الحاج حسن: أضرار القطاع الزراعي هائلة ومسح جوي لتقييم الخسائر بالتعاون مع الفاو
بعد إخبار رازي الحاج... إلقاء القبض على ٤ أشخاص