#الثائر
- أكرم كمال سريوي
أثار القرار السوري باشتراط حصول المشايخ الدروز الراغبين في زيارة سوريا على بطاقة خاصة من الشيخ ناصر الدين الغريب ، الذي سماه الامير طلال ارسلان شيخاً للعقل، تساؤلات عدة حول أسباب وقانونية هذا الإجراء.
فمن المعروف ان العلاقات بين الدول تحكمها المعاهدات والقوانين الدولية اضافة الى الاتفاقات الخاصة بينهم، ومن أبرز هذه الاتفاقات: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان الذي اقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 40/144 عام 1985 والمتعلق بحقوق الأفراد في التنقل بين الدول الأعضاء، وقد وقّع لبنان وسوريا على هذه الاتفاقات.
تضمنت هذه الاتفاقات نصوصا عدة حول حماية وحفظ حقوق الانسان في الانتقال واختيار مكان الإقامة داخل الدولة وبين الدول، شرط احترامه للأنظمة والقوانين الداخلية للدولة، وهذا يسمح لكل دولة بأن تضع الشروط التي تراها مناسبة لدخول الأجانب الى أراضيها، مع ضمان عدم التعسف في استخدام هذا الحق، واحترام موجباتها في إطار الاتفاقات الدولية وحفظ حقوق الانسان.
وقد اتبعت الامم المتحدة الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري الموقعة عام 1969 باتفاقية جديدة لحماية حقوق العمال والمهاجرين عام 1990، وشددت هذه الاتفاقية على عدم التمييز بين العمال والقادمين الى الدولة على أساس انتماءاتهم العرقية أو الطائفية أو افكارهم وولائهم السياسي، وان يُحتفظ لهم بحق حرية التعبير.
وإضافة الى هذه المواثيق تحكم العلاقات اللبنانية - السورية مجموعة من الاتفاقات الثنائية التي منحت مواطني البلدين تسهيلات في العبور والإقامة، فتم اعتماد وثيقة الهوية الشخصية الصادرة عن دوائر النفوس اللبنانية أو السورية دون الحاجة الى جواز سفر أو تأشيرة قنصلية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يجوز للسلطات السورية الطلب الى الشيخ نصر الدين الغريب تزويد المشايخ ببطاقات خاصة؟
ان الشيخ الغريب من الناحية القانونية هو مواطن لبناني وليس له صفة رسمية في الدولة اللبنانية وأما تسميته كشيخ عقل من قِبل مرجعية سياسية فلا تعطيه صفة قانونية، بالرغم من مكانته والاحترام والتقدير الذي يتمتع به داخل الطائفة، فإن قانون تنظيم شؤون طائفة الموحدين الدروز الصادر في 9/6/2006 حدد كيفية انتخاب شيخ العقل، ويحدد القانون اللبناني مخصصات يتقاضاها شيخ العقل من الدولة، وبالتالي فانه وفقاً للقانون يعتبر الشيخ نعيم حسن هو شيخ العقل الشرعي والوحيد لطائفة الموحدين الدروز.
ومن الواضح ان بعض المرجعيات السياسية الدرزية حاولت استخدام موقع شيخ العقل لغاياتها ومصالحها التي لا تخدم مقام مشيخة العقل ولا مصالح الطائفة الدرزية التي تم التضحية بها من اجل غايات ونكايات سياسية.
ويحق للدروز ان يسألوا الشيخ نصر الدين الغريب ماذا سيكون موقفه لو تم انتخابه شيخاً للعقل رسمياً، وثم اقدمت بعض المرجعيات السياسية على تسمية شيخ آخر ولم تعترف به كشيخ عقل للطائفة؟ وهل الدخول في البازار السياسي وترسيخ الانقسام يُفيد مشيخة العقل ويحفظ مصلحة الطائفة الدرزية وهو دون شك حريص على حفظها وعدم الأساءة اليها؟
وبالنسبة الى البطاقات التي طلبها الجانب السوري فهي في حقيقتها مخالفة للقوانين والاتفاقات الدولية والتي وقّعت عليها سوريا، فإذا كان من حق الدولة السورية منع بعض المواطنين اللبنانيين من دخول أراضيها لأسباب وجيهة، لكن القانون يشترط عدم التعسف في استعمال هذا الحق، كما انه من واجب الدولة السورية التعاطي مع لبنان عبر القنوات الدبلوماسية الرسمية، وبالتالي فإن تكليفها اي شخص لبناني بأي اجراء أو القيام باي عمل دون المرور بالدولة اللبنانية هو مخالفة للأعراف والقوانين الدولية ويشكل انتهاكاً لسيادة لبنان ويجب على الدولة اللبنانية اتخاذ الإجراءات المناسبة حيال هذا الامر.
وإذا ارادت السلطات السورية اتباع القوانين فهي تستطيع منع دخول بعض اللبنانين الى أراضيها لأسباب محددة، ولكن لا تستطيع ان تجبرهم أو تشترط عليهم انتماء سياسي معين أو الحصول على بطاقات ولاء لها، فاللبناني يتمتع وفقاً للدستور والقوانين الدولية بحرية الرأي والتعبير، ويجب ان يكون ولاءه للبنان فقط.
وبالتالي، فإن البطاقات التي يتم توزيعها هي مخالفة للقانون وليس لها اي قيمة قانونية رسمية، ومن الواضح انها من قبيل الابتزاز السياسي وتهدف الى إذكاء الانقسام داخل الطائفة الدرزية بتقديم الدعم لحلفائها والضغط على وليد جنبلاط الذي فهم الرسالة السورية سريعاً ولم ينجر الى التصعيد والدخول في أتون الفتنة.
وبالطبع من واجب العقلاء والمسؤولين الدروز الحريصين على مصلحة الطائفة الدرزية وخاصة الشيخ نصر الدين الغريب المعني الأول في هذا الموضوع، الاحتكام الى العقل والترفع عن الغايات والحسابات الشخصية والسياسية التي سوف تضر بمصلحةالطائفة الدرزية الكريمة.
ان الاختلاف السياسي أمر طبيعي ووجود الرأي الآخر هو من اهم العوامل الإيجابية ومميزات الديموقراطية، لكن استعمال رجال الدين والمواقع الدينية في وحول السياسة هو إساءة لهم ولطائفة الموحدين الدروز جمعاء وهذا ما لا يقبله ابناء هذه الطائفة الكريمة.
فليبقَ الخلاف السياسي في إطار أدبياته واهدافه، وليتركوا رجال الدين بعيداً عن مزايداتهم، ولتبقى مشيخة العقل مقاماً مصاناً، فالأشخاص زائلون أياً كانوا أو كانت ميولهم السياسية، أما طائفة الموحدين فباقية، حافظةً لقيمها، تعتز بحكمة عقلائها ومشايخها التقاة الأفاضل، راسخةً في عروبتها ووطنيتها وإخلاصها ووفائها للبنان وتكرم قادتها بقدر اخلاصهم وحرصهم على وحدتها ومصالحها ووحدة الوطن، وتلعن مسببي الفتنة والانقسام.