#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
يُعرَف الكبار بما يتركونه من آثار ومنجزات وبما يبقى من مآثرهم في ذاكرة الشعوب... يُقال كثيرًا عن أشخاص لا يتركون أثرًا، ويدخلون دائرة النسيان، ويبقى أشخاصٌ لا مناص من ذكرهم وتذكّرهم كل يوم لأن آثارهم ومنجزاتهم تبقى ماثلة في الأذهان وفي "مرمى العيون".
***
حين استُشهِد الرئيس رفيق الحريري ، كان الدين العام ثلاثين مليار دولار، في ثلاثة عشر عامًا بعد استشهاده تضاعف الدين العام مرتين ليبلغ تسعين مليار دولار.
لو كان الرئيس رفيق الحريري ما زال على قيد الحياة، وفي سدة رئاسة الحكومة، هل كان الدين العام ليبلغ هذا الرقم المخيف؟ بالتأكيد لا .
حين يُذكَر الرئيس الشهيد، فماذا يُذكَر معه؟ إعادة الإعمار: إعمار وسط بيروت، مطار بيروت الذي بات يحمل إسمه، توسعة مرفأ بيروت، بناء المدينة الرياضية، أوتوستراد بيروت الجنوب، الخليوي، المحاولات المستمرة لتحقيق الكهرباء 24 ساعة على 24. أين كانت سموم النفايات التي فتكت بنا اليوم، وغيرها من المنجزات.
إنه الرجل ببصمات متعددة. كثيرون يكتفون ببصمة واحدة إلا الرئيس الشهيد رفيق الحريري: بصماته تدل عليه. لم يجارِه أحدٌ من رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا من بعده، ولا من رؤساء حكومات، ما بعد الطائف، الذين سبقوه. ومع ذلك كان شعاره الأحب إلى قلبه :
"ما حدا أكبر من بلدو".
هذا في الإنماء والإعمار، أما في السياسة فحدِّث ولا حرج: مَن من رؤساء الحكومات استطاع "اجتياح بيروت" عبر صناديق الإقتراع على رغم كل محاولات التضييق التي جرت ضده؟ مَن من رؤساء الحكومات الذين سبقوا أو لحقوا، استطاع ان يبني تيارًا عابرًا للمناطق والجغرافيا، وللطوائف والمذاهب؟ كان معه في كتلته النيابية: السني والشيعي والدرزي والماروني والارثوذكسي والكاثوليكي والارمني، وفي حكوماته كان من وزرائه السني والشيعي والدرزي والماروني والارثوذكسي والكاثوليكي والارمني، فمَن من الآخرين إستطاع تسجيل مثل هذه البصمة؟
***
وليس فقط في الإنماء والإعمار كانت بصمات الرئيس الشهيد بل في الديبلوماسية أيضًا: كان يفرض حضوره وهالته وشخصيته على رؤساء الدول وقادتها، كان يرفع سمَّاعة الهاتف ويخابر هذا الرئيس أو ذاك، وكان ينطلق في طائرته الخاصة ليلتقي هذا الرئيس أو ذاك. كان "وزارة خارجية متنقلة" أو فلنقل "بعثة ديبلوماسية مكتملة الأوصاف".
إنه "الرئيس البصمة" التي لا تُمحَى والتي ما زالت آثارها موجودة منذ ثلاثة عشر عامًا، خصوصًا ان لا بصمة جاءت بعدها واستطاعت منافستها، فبعده، ماذا حصل؟ وأي بصمة يُعتدُّ بها؟
***
قبل الإستشهاد، وحين بلغت الأزمة أوجها بينه وبين عهد الرئيس اميل لحود ، فاجأ الرئيس الشهيد الرأي العام والوسط السياسي والديبلوماسي، بالخروج من الحلبة السياسية، كان وقعُ الصدمة كبيرًا على اللبنانيين خصوصًا ان مَن خلفه كان الرئيس عمر كرامي الذي يحفظ اللبنانيون من حكومته الأولى في مطلع تسعينيات القرن الماضي، في ثاني حكومات الرئيس الراحل الياس الهراوي، ان الليرة اللبنانية انهارت وبلغ سعرها حيال الدولار الأميركي أكثر من الفين وثمانمئة ليرة لكل دولار .
ومن حكومته الثانية بين عامي 2004 و2005، يحفظ اللبنانيون ان الكلمة المدوية للنائبة بهية الحريري في مجلس النواب دفعت بالرئيس كرامي إلى تقديم استقالته، مخالفًا توقعات كل المراقبين بانه سيصمد .
***
الرئيس نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية لم تنزل بصماته بردًا وسلامًا على قلوب اللبنانيين، يحفظ اللبنانيون انه جاء الى رئاسة الحكومة بعكس مشيئة الشارع السني الذي كان متعاطفًا مع الرئيس سعد الحريري إثر اسقاط حكومته باستقالة وزراء المعارضة لحظة بدء اجتماعه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما .
اما البصمة الثانية التي يحفظها اللبنانيون عنه فهي مسألة "قروض الإسكان" بفوائد متدنية جدًا، علما ان هذه القروض يُفترض ان تُخصص لذوي الدخل المحدود من الشباب الذين يبنون مستقبلهم وتأسيس عائلة، لا ان تكون مخصصة لأصحاب الثراء السريع الذين صنعوا جزءا منه في لبنان وفي دول قريبة لا سيما في عقود الخليوي.
***
أما بصمة الرئيس السنيورة التي يحفظها اللبنانيون فهي تحوّله من مدير مصرف ناجح إلى عضو في نادي أصحاب "الميسورين"، و"بصماتهِ" واضحة في أكثر من باب استثمار في لبنان، أو من خلال أصدقاء له تحولوا الى شركاء معه، أو تحوَّل إلى شريك معهم .
ومن بصماته المميزة ما يُقال عن حقبته أن: "الهبات التي جاءت بعد حرب تموز كانت تكفي لإصلاح أضرار الحرب وتنفيذ جزء من البنى التحتية" لكن أين ذهبت هذه الأموال؟
هذه المعطيات تفتح اليوم سجالًا كبيرا بين من يؤكدون ان هناك ملفات مثبتة وبين الرئيس السنيورة الذي يعتبر ان هذا الكلام مُبالغ فيه، بانتظار جلاء الحقيقة حيث اننا لا نتكلم عن حفنة من الدولارات بل عن مليارات.
***
بصمة الرئيس تمام سلام نجل صائب بك سلام ان حكومته ملأت الفراغ الرئاسي على مدى سنتين وستة أشهر، من تاريخ انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان الى حين انتخاب العماد ميشال عون. رئيس حكومة من بيت سياسي عريق، يُقال عندنا في القرى اللبنانية "الآدمي" "نُزوِّجُه ابنتنا" وقد حصل.
***
حتماً ومن الطبيعي ان دولة الرئيس الشيخ سعد الحريري يفاخر ببصمة والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
***
اللبنانيون يطرحون السؤال المؤلِم :
ماذا لو ان الرئيس الشهيد كان على قيد الحياة؟
كان الرئيس الحريري حقق حلمه الثالث بإبداعاته وايمانه بلبنان، وشبكة علاقاته العربية والدولية، كنا اليوم متساوين مع إمارة دبي، في الرقي وفي الرؤية والتقدم والعين الساهرة، ولما كنا وصلنا الى المئة مليار دولار ديناً بعد اهتراء ما أنجزه الرئيس رفيق الحريري.
ألم يقل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي:
"حلم تردد في ذهني ان تكون دبي كبيروت يوماً ما".
"كانت شوارعها النظيفة، وحاراتها الجميلة، واسواقها الحديثة في بداية الستينات مصدر إلهام لي".
"أذهلتني بيروت صغيراً، وعشقتها يافعاً، وحزنت عليها كبيراً".