#الثائر
– محرر الشؤون العربية والدولية
يأتي مؤتمر وارسو الذي افتتح رسميا أمس وسط أوضاع دقيقة تمر بها المنطقة تحت عنوان "السلام" في الشرق الأوسط، وهو عنوان مخادع مراوغ، فالسلام ليس مجرد "مفردة" يُحتفى بها في مناسبة، وفي صراعات المنطقة لا يجدي التذاكي ولا التستر والمراوغة، والمشاركون في هذا المؤتمر جمعتهم مصالح مشتركة برعاية أميركية، ومن يعول على أميركا كمن يشهر إفلاسه ويلعب ورقته الأخيرة الخاسرة، وهذا حال الدول العربية المندفعة لتحقيق "سلام" مزعوم ومذموم.
قلنا في مرات سابقة أن على لبنان ألا يكون رأس حربة في أي حلف، لا إيراني ولا خليجي، على قاعدة النأي بالنفس لاعتبارات وأسباب متصلة بواقعنا السياسي المأزوم، خصوصا وأن كل القوى السياسية تورطت سابقا وأوصلتنا إلى الحرب، ومؤتمر "وارسو" لا يختلف كثيرا عن "قمة سوتشي" التي جمعت الرؤساء الإيراني والتركي والروسي، وأجمعت على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وإخراج جميع القوات الأجنبية منها، وضرورة إنهاء الوجود الارهابي في محافظة إدلب .
ما يخيف فعلا أن لبنان قائم على صدع سياسي إقليمي خطير معرض للهزات والكوارث، وبين القمة والمؤتمر، أو بين وارسو وسوتشي يتأكد أن المطلوب اليوم أن نتابع ونتفرج، على قاعدة أن "عند اختلاف الدول احفظ رأسك"، ولا يعني ذلك بالضرورة التخلي عن المقاومة في مواجهة إسرائيل، من موقع أن لبنان معني بهذا الصراع، وهذا ما يفترض أيضا تحصين ساحتنا الداخلية بالأمن والاستقرار دون الاندفاع نحو ما يهدد وحدتنا، وألا يتنازعنا "سوتشي" ولا "وارسو"، ومن هنا لا يمكن للبنان أن يكون منخرطا في أي من مشاريع المنطقة، وباختصار لا يمكن للبنان أن يكون في موقع الضغط على إيران ولا في موقع متقدم دفاعا عنها.
مثل هذه المعادلة تصح أيضا مع خصوم إيران، وهنا ثمة حد فاصل يتطلب من لبنان أن يكون قادرا على السير في النأي بالنفس على قاعدة واضحة تتطلب تبني سياسات مرنة كي لا نقع في المحظور، عدونا إسرائيل، وهذه مسلمة، يبقى المهم ألا نضيع البوصلة، خصوصا وأن مؤتمر وارسو واضح بتوجهاته ويمكن قراءته في ظل غياب روسي وصيني، وبتمثيل أوروبي متدن، وباستثمار اسرائيلي عبر الترويج للقاءات بين بنيامين نتنياهو ومسؤولين عرب.
لا يمكن بالتأكيد أن نكون مع من يروجون لصفقة القرن، ولا يمكن أيضا أن نكون رأس حربة لإيران في مشاريعها على مستوى المنطقة، وكذلك لا يمكن أن نكون وراء الساعبين إلى التطبيع مع إسرائيل ، وفي العلن هذه المرة، أو بمعنى أصح، لا يمكن أن نكون مع المهرولين إلى الهزيمة معها!