#الثائر
لم نقرأ بروية ما معنى أن يقدم مواطن لبناني على إحراق نفسه، وسننسى بعد أيام قليلة جورج زريق ، ونعود إلى يومياتنا ننتقد بسخرية واقعا سيحرقنا جميعا، بالنار والقهر والفقر والبطالة و الفساد ، كما أن أحدا لم يستخلص الدروس والعبر في حضرة الشهادة، فقط بعض البكاء والسخط وانتهى الأمر، أما لماذا أقدم الشهيد جورج على فعلته، فهدا السؤال المفترض أن نجيب عنه جميعا، وطالما ظل معلقا في فضاء خذلاننا فلا أمل يرتجى، وسنظل شهود زور حيال ما نواجه من أزمات وكوارث.
لم نفهم بعد أن هذه الحادثة ليست بأكثر من رسالة تؤكد أن الدولة متداعية بمؤسساتها ومرافقها وبحضورها أيضا، يصادرها الفساد لصالح غيلان المال والرؤوس الحامية والصراع الفارغ على السلطة، ولو على حساب مستقبل لبنان وتطوره، ولم ندرك بعد أن السلطة هي التي اغتالت جورج زريق، ويخطىء من يظن أن النار التي التهمت جسده هي السبب الرئيس في انطفاء جذوة الحياة والموت المادي، فهذا تسطيح يصل إلى حد الهذيان، جورج زريق مات قبل أن يضرم النار في جسده، وهكذا نحن ميتون طالما أننا ارتضينا السكوت عن سلطة جلبت الويل للبنان ودمرت اقتصاده.
لا نريد أن نقارب هذه الحادثة بما حدث في تونس يوم أشعل محمد البوعزيزي "ثورة الياسمين"، فلكل دولة ظروفها، لكن ما يؤكد أننا موتى هو سكوتنا ومتابعة وقائع تشييع الجثمان وذرف بعض العَبَرات، فدماء البوعزيزي حركت ضمائر التونسيين، أما نحن فأشعلنا مواقع التواصل الاجتماعي بكلام لا يفيد حتى وإن حمل معاني السخط والحزن، ولا يظننّ أحد أن شعبا ارتضى الهوان سيكون قادرا على التصدي لأزماته.
نعم، الدولة تتداعى وهي آيلة للسقوط إن لم تكن ثمة صحوة وثورة بيضاء، ومن يظن أن لبنان بلد قادر على الاستمرار بآليات حكمه وإدارته فهو واهم، فانتظروا من الآن مزيدا من الضرائب، وتوقعوا أن يبلغ الدين العام أرقاما مخيفة، وإذا كانت محاربة الفساد أولوية لدى الحكومة العتيدة (وهي ليست كذلك)، فالأوْلى أن نبدأ بإطلاق المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فأهمية هذا المجلس تتمثل في ملاحقة ومحاسبة الرؤساء والوزراء والنواب إذا أقدموا على جرم الرشوة أو إساءة استعمال السلطة أو استغلال مناصبهم وسلطتهم لمنافع خاصة.
الدولى تتداعى بشهادة ممهورة بدماء جورج زريق!