#الثائر
في القلب غصة وفي الروح أنين، ولا كلام يعبِّر ولا عِبَارات تفيد، فيما العَبَراتُ جفَّت وجرَّحت مآقي اللبنانيين، فبالأمس كانت الصدمة، جورج زريق أضرم النار في جسده من ألم وحرقة، جورج الأب الذي بلغ به اليأس حد إحراق الذات والموت، وهذا نذير إفلاس الدولة بأخلاقها قبل اقتصادها ومالها العام المهدور وسط النهش والنتش من أجساد اللبنانيين، لم يبلغ السيل الزبى، وإنما تخطاه إلى عورة نظام فقد منظومة القيم الإنسانية، في دولة كل ما فيها تجارة، حتى التعليم الذي نتباهى به، تنوعا طوائفيا، هو تجارة مقنعة.
أي دولة لا تدعم مدرستها الرسمية هي دولة مارقة، وقمة الإسفاف والعطب أن تفكر الدولة بمساعدة القطاع الخاص، بدلا من تخصيص هذا الدعم لمدارس الفقراء، تلك المدارس التي تعلم الانتماء للوطن لا إلى طائفة ومذهب، فلكل طائفة مدراسها وجامعاتها ومؤسساتها التربوية، ومدارس الطوائف يتغلغل بين ظهرانيها التعصب، وكذلك الجامعات الخاصة، فيما الجامعة الوطنية تواجه مشكلاتها لأنها لا تمثل طوائف، ولأنها المصهر الحقيقي لشبابنا من كل الانتماءات والمشارب، فيجري تهميشها!
لا يهمنا ماذا ساقت المدرسة من مبررات، ولم نطلع عليها أساسا ولا تعنينا في شيء، ما يهمنا حياة جورج زريق والنار التي التهمت لحمه وشرايينه، وما عانى من نار، هي نار الخذلان والعار، وحياة جورج أغلى من كل المواقع والمناصب.
أما المتباكون تغريدا وبيانات نقول لهم: صهْ، فمن يعلمون أولادهم في جامعات الغرب، ويستقبلون عند أعتاب قصورهم أناسا يُذلون للحصول على مساعدة ومنحة أو بعض فتات ويدعون أنهم حققوا إنجازات إنسانية، نقول لهم أنتم سبب اهتراء الدولة، أنتم من نهب ثرواتها، أنتم من أغرق البلاد في دين عام سيفوق المئة مليار دولار، وملياراتكم المنهوبة هذه هي سبب ثرائكم، والكارثة أننا نحن من سيسددها وأولادنا وأحفادنا من بعدنا.
لن نرضى أن يكون لبنان محرقة لشعبه، لأنه إذا استمر الحال على ما هو عليه، فلن يكون أمامنا إلا مصير جورج، وها نحن نحترق كل يوم والفارق بيننا وبين جورج زريق أننا لم نجرؤ على حرق أجسادنا، فكان هو أكثر منا شجاعة في تعرية دولة كرست الفقر والعوز والبطالة وهجرت أبنائها في بلاد الاغتراب.
لن تتحرك ضمائر المسؤولين بأكثر من بيان من هنا وتغريدة من هناك، وغداً الكل ينسى، وحدها عائلة جورج ستحمل اليتم وصمة عار على جبين دولة جلّ مسؤوليها من أصحاب المليارات من المال النظيف، روح جورج زريق ستلاحقكم بطوائفكم ومذاهبكم ومؤسساتكم ولو طال الزمن!