#الثائر
أن نرسم في البال صورا وتصورات لما يمكن أن يكون عليه لبنان، لا يعني أننا نروغ من واقع صعب وصادم لنصبح أسرى مكبلين في دائرة التخيل، فالحلم يظل حاجة إنسانية نحلق معها لندنو من "يوتوبيا" تختصر ما نهجس به ونتطلع إلى ما نصبو لتحقيقه، ولنتذكر على سبيل المثال أن الإنجازات العظيمة التي حققتها البشرية بدأت بحلم، ومن لا يحلم لا يمكن أن يحدد رؤاه، وأن يقيس خطواته في السعي نحو مستقبل يطمح إليه ويسعى ليصله بقوة وإيمان وإصرار.
لكن في مكان ما، لا بد من الافتراض أيضا لكي نستخلص الدروس والعبر، فما حصل بالنسبة لإنزال العلم الليبي على خلفية تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، وما رافق ذلك من تصعيد، كان يمكن تحاشيه بمشهد أكثر عقلانية، كأن يطلب لبنان من الوفد الليبي خلال انعقاد القمة موقفا وضاحا وصريحا حيال هذه القضية التي تمس لبنان ولا تقتصر على فئة من اللبنانيين فحسب، وأن ينظم اعتصام رمزي تزامنا مع إطلاق فعاليات القمة، يتم خلاله توجيه رسالة من المعتصمين إلى مسؤول الوفد الليبي عبر جهة معينة.
بين المشهدين ثمة بون شاسع، الأول لم يتعدَّ الصراخ وأوصل رسالة إلى ليبيا مشوشة فبادر الليبيون إلى خطوات مماثلة لما شهدناه في لبنان، والثاني كان يمكن أن يكون أبلغ دلالة، وكان يمكن كذلك أن يستجلب عطفا وتأييدا من قبل الدول العربية والمجتمع الدولي، للضغط على الحكومة الليبية وفق ما تقتضيه الظروف والبروتوكولات المعمول بها، ومن هنا، فإن تداعيات ما حصل ارتد سلبا على القمة، وكان على رئيس مجلس النواب نبيه بري بصفته المعني عن كل ما حصل أن يكون أكثر واقعية، إن لجهة ضبط مناصريه، وإن لجهة التفرد بحيث بدا لبنان منقسما وليس ثمة قانون ودستور يحدد آلية المعالجة لأي قضية وفق ما تقتضيه مصلحة لبنان، ولا نقول بأن قضية الإمام المغيب نريدها أن تتحول طي النسيان، فلكل مقام مقال.
لم يعد مقبولا أن يظل لبنان محكوما بالاستنساب والمصادرة، وما يصح في "حركة أمل" يصح أيضا في سائر القوى السياسية، وإذا لم يعلم الجميع أن أي خطوة غير محسوبة ستكون لها ارتدادات على الدولة ككيان واحد مستقل، فهنا الكارثة الكبرى، وما يثير الاستغراب أن جميع هذه القوى منضوية في رحاب الدولة، وتقفز فوقها ساعة تريد، وأكبر إساءة لذكرى الإمام المغيب تتبدى في تصوير هذه القضية على أنها قضية تخص فئة من اللبنانيين دون غيرهم، ولا يمكن لأي زعيم في لبنان أن يكون مع الدولة وضدها!