#الثائر
إحتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش بعيد القديس انطونيوس الكبير، بقداس إحتفالي ترأسه في كنيسة دير مار انطونيوس الكبير في زحلة، عاونه فيه الأبوان الياس ابراهيم وطوني الفحل وخدمته جوقة مار الياس المخلصية، في حضور جمهور المؤمنين.
بعد الإنجيل المقدس، ألقى المطران درويش كلمة توجه فيها بالتهنئة لكل الذين يحملون اسم القديس او يتخذونه شفيعا لهم، وتحدث عن معاني العيد فقال: "بفرح كبير أعايدكم بعيد شفيع الدير القديس أنطونيوس الكبير مؤسس الحياة الرهبانية في الكنيسة، ومنها أخذت الرهبانية اللبنانية المارونية قوانينها، ونشكر الله على وجود الرهبانية في زحلة، فقد كانت دوما رائدة في عملها الرسولي والثقافي".
اضاف:"تلقبه الكنيسة الشرقية بكوكب البرية وملك الصحراء وأبو الرهبان، ولد في قرية كوما في صعيد مصر حوالي العام 251، توفي والداه باكرا، وفي احدى الاحتفالات الليتورجية التي كان يشارك بها سمع كلام يسوع في الإنجيل: "إِنْ شِئْتَ أَنْ تَكونَ كامِلاً، فاذْهَبْ وبِعْ ما لَكَ، وأَعْطِهِ لِلْمُعْوِزينَ، فَيَكونَ لكَ كَنزٌ في السَّماوات؛ ثمَّ تَعالَ اتْبَعْني". (متى19/21).
وتابع:" اعتبر القديس أنطونيوس الكبير أن المسيح يوجه له هذا الكلام شخصيا، فبادر الى توزيع ما أعطي له من ميراث والديه، الى الفقراء والمحتاجين. قرر أن يتخلى عن كل شيء لأنه اقتنع بأن المسيح هو كل شيء، وذهب الى البرية لأنه أراد أن يختلي بيسوع، ويتحد معه، ويكتفي بمحبة يسوع. أختار يسوع لأنه اقتنع بأننا لسنا بشيء بدون المسيح، لذلك قرر ألا يشرك أي شيء مع المسيح."
واردف:"إن دعوة المسيحي هي أن يسمع كلام يسوع ويعتبره موجها اليه شخصيا، ففي إنجيل اليوم يربط بين النور والتوبة. فيردد يوحنا الإنجيلي ما تنبأ به أشعيا النبي عن يسوع: "الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما". ثم يسوق إلينا الإنجيل ما قاله يسوع للناس في بداية البشارة: "توبوا فقد اقترب ملكوت السموات"."
واضاف "إن حياة الناس ترتبط بالنور، فبدون النور نحن عميان، لا نعرف الطريق ولا نعرف بعضنا البعض، لذلك أعلن يسوع أنه هو "نور العالم"، أي أنه حياة الناس.
وترتبط حياة المؤمن بالتوبة، وقد وضع يسوع التوبة شرطا للدخول إلى الملكوت، أي الدخول في شراكة معه".
اضاف:"مع يسوع ظهر النور للعالم، وصرنا نحن مرتبطين بالنور، أي بيسوع المسيح. كما نرتل في قنداق عيد الغطاس:"اليوم ظهرت للمسكونة يا رب ونورك قد ارتسم علينا..".
والكنيسة تدعونا لنقبل هذا النور حتى نستحق أن نكون أبناء الله. لكن لماذا تدعونا الكنيسة لنكون في النور؟ لأنه عندما ظهر المسيح قسم العالم الى اثنين: الذين قبلوا يسوع والذين لم يقبلوه، الذين اختاروا أن يرتسم نور المسيح في حياتهم والذين فضلوا الظلمة على النور".
وتابع:"الذي يقبل النور (المسيح)، أعمالُه واضحة، شفافة، صادقة وخيّرة، وبالتالي هو نقي، يستطيع معاينة الله كما قال لنا يسوع في عظته على الجبل: "طوبى لأنقياء القلوب فإنهم يعاينون الله".
الذي يقبل النور هو إنسان متواضع، يعرف ضعفه، مكشوف، محب، يعرف أن يتخطى ذاته، ولا يخاصم ويحتمل الآخر، لأن ضميره حي، وهو بسيط، طيب، منفتح على الآخر، يتطلع دوما نحو مصدر النور ليزداد نورا.
أما الذي يختار الظلمه فيبدو أنه مرتاج، لأنه منغلق على ذاته، يعيش وحده ولا يهتم للآخر، ولا يحب مشاركة الآخر، منطوٍ على ذاته ويقيس كل الأمور إنطلاقا من مصلحته الشخصية".
وسأل:"لكن كيف ترتبط التوبة بالنور؟ التوبة تجعلنا نتواجه مع النور، فنعيد النظر في تصرفاتنا وفي علاقتنا مع الله ومع الآخر.
التوبة تعلمنا أن نعرف أكثر مكامن ضعفنا وقوتنا، وأماكن تقصيرنا وتعرفنا على ادعاءاتنا وتطرح منا الأنا. التوبة تساعدنا لنكون أكثر واقعية في حياتنا، وتدعونا لنتجابه مع ذواتنا. وتساعدنا لنخلع قديمنا ونلبس المسيح من جديد، فنعود أنقياء قادرين على معاينة الله، أحد أدوات هذه التوبة وضعته لنا الكنيسة وهو سر الاعتراف، لأن الكاهن المعرف، أو المرشد، يعيدنا الى النور ويجعلنا نورا للآخرين، أي نضيء نحن مثل يسوع، مصدرا للنور، نوزع نور يسوع على الآخرين".
واعتبر انه "بالتوبة تعود لنا الحياة التي أردها لنا المسيح، وتتجدد كرامُنا الضائعة، كرامةُ البنوة، وتنهدم الخطيئة التي تمنعنا وتحجب عنا رؤية النور الإلهي. بالتوبة ننتصر على عثراتنا ونتحرر من خطيئتنا ونقترب من المسيح."
وختم درويش " التوبة قرار نختار من خلالها الحياة والخير والنور كما جاء في سفر تثنية الاشتراع: "أنظر! إني قد جعلت اليوم أمامك الحياة والخير" (تثنية الاشتراع:30/15-20) التوبة والنور يجعلاننا نبني جسدَ المسيح كما دعانا بولس الرسول، فنتهي جميعُنا إلى وَحدَةِ الإيمانِ ومَعرِفَةِ ابنِ الله، إلى رَجُلٍ كامِل، إلى مِقدارِ قامَةِ مِلءِ المسيح".من جديد أهنئكم بالعيد وصلاتنا معكم أيها الآباء الرهبان الأحباء ولترافقكم مريم العذراء في مسيرتكم الكهنوتية وفي خدمتكم الرسولية".