#الثائر
قال الرجل السبعيني بكل حماس "لقد استعدت شبابي"، بينما يتساقط الماء من على جسده. لقد خرج للتو من المياه من نهر " الغانج " المقدس في شبه القارة الهندية.
ليس هذا الرجل وحده من سيطر عليه هذا الشعور بالعودة إلى الشباب، بل مثله ملايين يعتقدون بأن الاستحمام عند ملتقى نهري الجانج ويامونا مع نهر ساراسواتي الأسطوري، يطهر الجسد من الأمراض والروح من الخطيئة، يؤمنون بأن الاستحمام في هذه المياه خلال فترة المهرجان يؤدي إلى الخلاص من دورة الحياة والموت.
تنقل ناشيونال جيوغرافيك، في تقريرها "بركة الحشود" (يناير- 2014) أن درجة الحرارة كانت منخفضة، والبرد قارس، ومياه النهر ملوثة، والطبيعي أن يكون هذا الرجل السبعيني قد أصيب بإلتهاب رئوي، لكنه لم يحدث والعكس هو ماحدث لقد تحسنت صحته بالفعل، بناء على مناظرة طبية أجريت له قبل مشاركته في هذا الحدث وبعده، "ربما حالة فردية"، تقول المجلة، لكنها سألت "ماذا حدث؟"
تقول الحكاية إنه قبل آلاف السنين توصلت الآلهة والشياطين لاتفاق مؤقت يقضي بالتعاون على خض رحيق الخلود في محيط اللبن الأولي وتقسيمه بالتساوي بينهم. لكن عندما ظهرت الكومبه (أي القارورة) التي تحوي الرحيق هربت الشياطين بها ولحقت بها الآلهة، وتحاربت الآلهة والشياطين 12 يوما وليلة في السماء على القارورة. وخلال المعركة سقطت نقاط من الرحيق على أربعة أماكن، أصبحت 4 مدن تشهد أكبر تجمع بشري سلمي في العالم، بحسب وصف اليونسكو، هي "الله آباد" و"هاريدوار" و"أوجان" و"ناشيك، يحدث أربع مرات كل 12 سنة بالتناوب بين المدن الأربعة.
إنه حج "ماها كومبه ميلا" الهندوسي، فخلال الأيام الماضية (بداية من يناير/ كانون الثاني) وصل ملايين الحجاج الهنود إلى مدينة الله آباد (برايغراغ) الواقعة شمالي الهند للمشاركة في مهرجان "ماها كومبه ميلا" الهندوسي، يأتي الهندوسيون المتدينون لزيارة المدينة المقدسة، التي سقط عليها الرحيق، ويمتد ثمانية أسابيع.
يأتي الزهاد والقديسين والنسّاك (من طبقة السادهو) والمتعبدين من فئة الكالبافاسي والزوار، يسيطر عليهم شعور بوحدة المقصد، بأن يتخلصوا من الشرور، ويتطهروا في النهر المقدس، يتوافدون إلى المكان ويغمرون أجسادهم في مياه النهر شديدة البرودة، يقودهم زاهدون عراة يكسو أجسادهم الرماد وبعضهم يعيش في الكهوف، يكونون عراة إلا من سترة على الوسط، ومنهم من يخلع تلك السترة ليكون عاريا تماما.
يأتي الزوار إلى المنطقة يحملون أمتعتهم فوق رؤوسهم بينما يقوم باعة ببيع الحلوى وغزل البنات وبالونات مضيئة، وتتوقع الحكومة الهندية أن يجذب مهرجان "ماها كومبه ميلا" هذا العام ما بين 100 مليون إلى 150 مليون شخص من بينهم مليون سائح أجنبي، وتستعد الحكومة للمهرجان بإقامة 14 مستشفى مؤقت، تعمل على مدار الساعة، وبناء أكثر من 100 ألف حمام، و600 مطبخ كبير لتليبة حاجات الحجاج، وإقامة نقاط تفتيش على طول الطرق المؤدية إلى مدينة الله آباد.
بالقرب من النهر المقدس تقام عشرات الآلاف من الخيام، يجلس فيها رجال ونساء وأطفال يجتمعون حول مواقد صغيرة يشعلونها بهدف إعداد العشاء أو الحصول على التدفئة.
خلال المهرجان تقام الصلاة وتقديم البخور والتمسح بالرماد، ويقوم الرجال الهندوس الذين يحظون بالقداسة بقيادة مسيرات تشارك فيها الفيلة والجمال والخيول والعربات والفرق الموسيقية، وآلاف البشر، وتقام الصلوات الهندوسية برسوم تدفع مقابل تحقيق الأماني.
والمهرجان مصنف ضمن قائمة اليونسكو للتراث غير المادي للبشرية، وتقول إن الزهاد هم الحاملون الأساسيون لهذا التراث من فئة الأخادا وأصحاب المعتَزَلات الهندوسية (ويسمى واحدها أشرام) والمنظمات الدينية أو الأفراد الذين يعيشون على الصدقة.
وتضيف في تعريفها للمهرجان أن لهذا المهرجان دور روحي أساسي في البلاد وله تأثير هائل على الهنود العاديين. ويجمع الحدث بين علم الفلك، والتنجيم، والروحانية، والتقاليد الطقسية، والعادات والممارسات الثقافية والاجتماعية، ما يجعله مهرجاناً زاخراً بالمعرفة بتجلياتها المختلفة.
ونظرا لأن المهرجان يقام في أربع مدن مختلفة في الهند، صار من الطبيعي أن يعبر عن أنشطة اجتماعية وثقافية مختلفة، ما جعله بالتالي مهرجاناً متنوعاً على المستوى الثقافي.
ويكتسب المهرجان بعدا خاصا هذا العام قبل الانتخابات العامة في البلد ذي الأغلبية الهندوسية، ويتوقع المحللون أن يواجه حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي، الذي يتزعمه رئيس الوزراء مودي، منافسة قوية في انتخابات عامة مقررة في مايو/أيار المقبل.
وقال ماهيش شارما الذي يرأس وزارة الثقافة في بيان "كومبه هو مزيج بين الوعي الروحي والتراث الثقافي.. نحن أيضا نعرض هنا التقاليد الثرية للهند كما يتصورها رئيس الوزراء ناريندرا مودي".