#الثائر
ألقى العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التقوى الاهتداء بما ورد في هذه القصة، حيث جاء أن شابا من الأنصار في زمن رسول الله، جمع مالا كثيرا، ولما كان على فراش الموت، عاده النبي في جماعة من أصحابه، فقال له الشاب: "أوصيك بأن تتصدق بمقدار كبير من مالي بعد وفاتي"، فاستجاب رسول الله لرغبته، وتصدق بعد وفاته بما أوصاه به، ولكنه، وبعد أن ترحم عليه، وقدر عطاءه وبذله وإحسانه، توجه إلى أصحابه قائلا: "والذي أرسلني بالحق نبيا، لو تصدق هذا الشاب بتمرة واحدة مما تصدق في حياته، لكان خيرا له من كل ما تصدقت به عنه بعد وفاته". وفي ذلك قول أمير المؤمنين: "كن وصي نفسك، وافعل في مالك ما تحب أن يفعله فيه غيرك". أيها الأحبة، بهذه الروحية ينبغي أن نتحمل مسؤولياتنا، فلا نتركها ليقوم بها الآخرون من بعدنا، فقد يسوفون ولا يقومون بها، سواء كانت واجبات عبادية عالقة في ذمتنا، كالصلاة والصيام والحج، أو مالية، كالزكاة والكفارات والخمس، أو مستحبات أو صدقات، أو أعمالا خيرية أو غير ذلك، فعلينا أن نكون أوصياء على أنفسنا، ونقوم بما يمكننا القيام به بأيدينا وبإرادتنا. لقد حرص رسول الله على بناء المجتمع المسؤول؛ المجتمع غير الاتكالي. وبهذا المجتمع، واجه كل التحديات وحقق الانتصارات. وبهذا المجتمع نستطيع نحن أيضا تحقيق الانتصارات ومواجهة التحديات، وهي كثيرة".
وقال: "البداية من لبنان، الذي أظهرت العاصفة التي ضربته قبل أيام مدى الهشاشة والاهتراء في البنى التحتية التي كان من المفترض أنها أعدت سابقا لمواجهة أي عاصفة مرتقبة أو حدث طبيعي طارئ، وإذ باللبنانيين أمام مشاهد الجسور المشققة، والطرق التي تغرق فيها السيارات أو تتراكم عليها الأتربة والصخور، وأمام طوفان المياه الآسنة المختلطة بمياه الأمطار، والتي تدخل البيوت والمحال التجارية والساحات العامة. الأمر الذي أثار السؤال مجددا: أين تلك المليارات التي صرفت على الطرق العامة، ومشاريع البنى التحتية؟ فإذا كانت هذه البنية لا تستطيع الثبات أمام مجرد عاصفة، فكيف الأمر إذا ضربنا إعصار أو زلزال؟. لقد كشفت العاصفة الكثير من العورات في التلزيمات والمناقصات التي كانت تجري بالتراضي أو بناء على محاصصات. وبدلا من أن يدعو ذلك إلى المبادرة لإخضاع الجهات التي قصرت في التنفيذ، أو التي لم تحسن القيام بواجبها للتحقيق والمحاسبة، شهدنا تقاذفا في التهم، ورميا للمسؤوليات من الوزارات على بعضها البعض، أو بين البلديات والوزارات، لتعود الأمور إلى ما عهدناه في لبنان، وتعود الدعوات للتحقيق، يصاحبها رمي التهمة الكبرى على مجهول، كما حدث في الفضيحة الشهيرة المتمثلة بمجرور الرملة البيضاء، وفي النهاية تمر الأمور مرور الكرام من دون محاسبة، بانتظار عاصفة أخرى".
أضاف: "ومن المفارقات أمام هذا الواقع المؤلم، أن من هم في مواقع المسؤولية في الدولة يلقون باللائمة على الدولة نفسها ويتهمونها بالتقصير، لنعود إلى السؤال نفسه: من هي الدولة؟ هل هي هذا الجسم الوهمي الذي تكال إليه كل الاتهامات أم هي أنتم أيها الرؤساء والوزراء والنواب الذين تحملتم المسؤولية عن الناس في إدارة شؤونهم وسد احتياجاتهم ووقايتهم من الأخطار التي قد تحدق بهم. لذلك، يجب أن تكونوا، أنتم، في مواقع الرقابة والمحاسبة، لا أن تقلبوا كفا على كف أو تنتقدوا ما يجري على أرض الواقع؟ إننا نرى أن هذا الاهتراء الذي بات واضحا في البنية التحتية، والذي كشفته العاصفة، ليس إلا انعكاسا لما هو موجود في البنية الفوقية المتمثلة بالمسؤولين، الذين انتظر الناس معهم ثمانية أشهر وما يزيد، ولا يزالون، لتأليف الحكومة ، من دون أي أفق لتأليفها في ظل بقاء كل طرف على موقفه، لا يريد أن يتنازل خطوة تؤدي إلى الخروج من هذا المأزق، الذي بتنا نرى تداعياته الكارثية، ليس على المستوى الاقتصادي فقط، بل على الأمن الاجتماعي للناس".
وتابع: "لقد تعود المسؤولون في هذا البلد أن يسمعوا انتقادات الناس لهم، ولكنهم يصرون على أنهم يعرفون جيدا أنها انفعالات لا أثر لها فيهم، فهي سرعان ما تتبخر عند أي استحقاق عنوانه المحاسبة، سواء كان نيابيا أو بلديا أو ما إلى ذلك. ولذلك، تجدنا نكرر -مع الناس- دعوة القوى السياسية إلى تحمل مسؤولياتها في إخراج البلد من أزمته الراهنة، فلا يكفي أن يستمر الرهان على أن البلد لن ينهار لأن دول العالم لا تريد له ذلك، فلن يسهر أحد على عدم انهيار الوطن إذا كف أبناؤه عن القيام بهذا الدور".
وقال: "نصل إلى الجدل المستمر في الداخل اللبناني حول القمة العربية الاقتصادية المزمع انعقادها في لبنان، لكونها ستجري من دون الدولة السورية، وفي حضور ليبيا التي لم تتحمل السلطات الجديدة فيها مسؤولية الكشف عن الغموض المستمر حول جريمة إخفاء الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه. ونحن في هذا المجال، نؤكد أهمية انعقاد القمة العربية الاقتصادية، بما يعزز موقع لبنان في العالم العربي، ويعطي المناعة لاقتصاده، ولكننا نحذر من أن تكون هذه القمة سببا للانقسام في الداخل اللبناني، فاللبنانيون بالغنى عن كل أمر يؤدي إلى زيادة الشرخ في ما بينهم، في وقت هم أحوج ما يكونون إلى ترميم الخلافات القائمة. لقد دعونا ولا نزال ندعو كل المعنيين بالقمة الاقتصادية إلى أن يأخذوا بعين الاعتبار كل تلك الحساسيات وتبعاتها على مختلف المستويات".
أضاف: "في هذا الوقت، تعود إلى الواجهة الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، كما حدث أخيرا في العديسة، والتي توحي برغبة إسرائيلية في قضم المزيد من الأراضي اللبنانية، مستغلة الواقع الداخلي اللبناني المترهل والمنقسم على نفسه. إننا أمام ما جرى، نؤكد أهمية الموقف اللبناني الصارم في مواجهة هذا العدوان، وندعو إلى مزيد من الاستعداد والتأهب لمواجهة أي خلفيات يريدها العدو من وراء ذلك، مستفيدا من جو دولي تصعيدي داعم له، والذي عبر عنه وزير خارجية أميركا بالأمس".
وتابع: "في إطار الحديث عن هذه الزيارة، فإننا نرى أنها محاولة لطمأنة حلفاء أميركا في المنطقة، والسعي لتوريطهم في الصراع، من خلال دعوتهم لمزيد من تحمل المسؤولية والأعباء التي تعمل الإدارة الأميركية للتخفيف من تبعاتها بعد قرارها الانسحاب من سوريا".
وختم: "إننا أمام ذلك، ندعو العرب، حكاما وشعوبا، إلى أن يكونوا واعين ومتنبهين إلى المخططات الأميركية التي تريد لهم أن يكونوا وقودا لحروبها وفتنها في المنطقة، وخصوصا أنهم عرفوا أميركا على حقيقتها، وأنها لا تفكر إلا في مصالحها ومصالح العدو الإسرائيلي".