مقالات وأراء

اللهُ يَرُدُّ اعتذارَكِ بالشَكل

2019 كانون الثاني 08
مقالات وأراء المدى

#الثائر

كتب سجعان قزي في "الجمهورية" يقول:

التهاني للوزيرَين السابقَين، رشيد درباس و محمد المشنوق . لقد عَـوّضا بنُبلٍ ووطنيّةٍ وحقٍّ عن صمتِ القياداتِ السُنيّة؛ فهرَعا مع شخصيّاتٍ لبنانيّةٍ أُخرى، مسيحيّةٍ وشيعيّةٍ، إلى الدفاع عن نائب بيروت، السيدة رولا الطبش جارودي، عِلمًا أنّها أصلًا في موقعِ الهجومِ لا الدفاع. التضامنُ مع رولا هو إنقاذٌ لِما بَقي من «لبنانَ الرسالة». ألا يَخجَل الّذين ألزَموها إصدارَ بيانِ اعتذارٍ وإشهارَ إسلامِها من جديد؟ وماذا لو أَلزَم هؤلاءِ الرئيسَ المِصريَّ، عبد الفتّاح السيسي، إشهارَ إسلامِه تكرارًا بعدما افتَتح أمسَ الأوّل كاتدرائيّةَ يسوعَ المسيحِ في القاهرة وخَطَب مِن على مَذبحِها؟

إذا كان مِعيارُ الانتماءِ إلى الإسلامِ عمومًا أنْ تُتْلى الشَهادتان: «لا إلَهَ إلّا الله» و «محمّدُ رسولُ الله»، ومعيارُ الانتماءِ إلى الإسلامِ الشيعيّ أن تُضافَ شَهادةٌ ثالثةٌ: «وعلِيٌّ وَليُّ الله»، هناك شَهادةٌ موازيةٌ يَجدُر بكلِّ مسيحيٍّ ومُسلمٍ لبنانيٍّ أنْ يَتلوها وهي: شَهادةُ المسلمِ للمسيحيّةِ وشَهادةُ المسيحيِّ للإسلام. وهذا ما شَهِدت عليه نائبُ بيروت في الكنيسة. أفي الأمرِ جريمةٌ؟ هل أَشْركَت وكَفَرت وتَستحِقُّ الجَلدَ والرَجْم؟ نَصحوها بأنْ تَعتذِرَ إلى الله على «عَمْلتِها»، لكنَّ اللهَ ردَّ اعتذارَها بالشَكلِ وأَوْصاها بأنْ تَعتذِرَ عن اعتذارِها إذ لا أحد يَعتذر عن محبّةِ الله (مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، متّى 10:33).

أتدري هذه المرجِعيّاتُ أنَّ ألوفَ العائلاتِ المسلمةِ يزورن سيدةَ حريصا ومار شربل والقديسةَ رَفْقا ويَركعون ويَتَضرَّعون من أجلِ شفاءِ مَرضاهم؟

حَدَثَ أن شاركْتُ في جنازات مسلمين ودَخلتُ الجامعَ حافيَ القَدمَين وصَلّيتُ لراحةِ أنفسِهم وتَمتَمتُ آياتِ القرآن، أَكنتُ أتَنكّرُ لمسيحيّتي فَوَجَبَ عليَّ تجديدُ مَعموديَّتي وتلاوةُ فعلِ الندامةِ والاعتذارُ من يسوع المسيح، ألله الحقيقي؟ لا السيدةُ طبش جارودي اعتنقَت المسيحيّةَ ولا أنا اتّبعْتُ الإسلام، لكنْ كِلانا شَهِدَ لله وللبنان.

أنحنُ في «الرَقّة» مع «داعش» أم في «طورابورا» مع «طالبان» أم في «قنداهار» مع «القاعدة»؟ حَسْبي أنّنا في لبنان أرضِ التعايشِ بين الأديان، وظنّي أننا أصبحنا في عصر «سوليدير» و«صيفي ڤيلِدْج» و«بيروت سي سايد» والـ«بيال» و«زيتونة باي» (خليج مار جريس). لو انَّ في الأمرِ «خطأً طقسيًّا»، لكانَ أوْلى بالمسيحيّين أنْ يَنتقدوا الكاهنَ الذي وَضعَ الكأسَ المقدَّسَةَ على رأسِ غيرِ مسيحيّة. هذه كأسٌ تَحتضِنُ ــ حَسْبَ الإيمانِ المسيحي ــ جسدَ المسيحِ ودمَه. لكنَّ المسيحيّةَ تُشجِّعُ على «ارتكابِ» هذه «الأخطاءِ النبيلة»، فهي دينُ الإنسانِ.

إن التفاعلَ الروحيَّ بين المسلمين والمسيحيّين دشَّنه النبيُّ محمد حين سمحَ لنصارى نَجران (بَني الحارث) بإقامةِ الذبيحةِ الإلهيّة في مسجِدِه الخاصّ سنةَ 631م. وحين ضَمّنَ القرآنَ الكريم الخمسَ عشرةَ سورةً في ثلاثٍ وتسعين آيةً عن المسيح ومريم. وحين استأنَس بحديثِ وفكرِ ونُسكِ القِسِّ «ورقة بن نوفل»، ابنِ عَمِّ السيدةِ خديجة زوجتِه. وحين اقترَن بمريمَ الـقُبطيّةِ أيضًا وقد أعطَته ابنَه إبراهيم. وحين وجدَ ملاذاً من ظلمِ أهلِ مَكّة، لدى النَجاشِي سيّـد أكسوم (ملِكِ الحبَشَة المسيحيّ)، وأعلن النبيُّ الحِدادَ عليه لدى موتِه وصَلّى عليه «صلاةَ الغائب»، وكان أولَ حِدادٍ في تاريخِ الإسلام.

بمنأى عن الإرهابِ التكفيريّ، نَشهَد اليومَ تفاعُلًا روحيًّا بين أبناءِ الديانتين في مختلَفِ أنحاءِ العالم:

في كنيسةِ «سانت جون» في واشنطن قُربَ «البيتِ الأبيض» يَرتفع صوتُ الأَذانِ لصلاةِ الجمعة.

في مدينة «أبردين» (سكوتلاند) لبّى المسلمون دعوةَ أُسقفِ كنيسة القديس يوحنّا إلى الصلاةِ وتناولِ الإفطارِ الجماعيِّ والسُّحور داخلَ الكنيسةِ.

في فرنسا، تَوجّه مُسلمون إلى الكنائسِ للمشاركةِ في قُدّاسِ الأحد بعد اعتداءِ إسلاميّيَن على كنيسةِ «سانت اتيان دي روفريه» شمالِ غربِ البلاد (02/08/2016).

في بلجيكا لجأ مسلمون الى كنيسةِ «سان لومبير» لأداءِ صلاةِ الجمعـة، وسمحَ لهم الخوري باستبدالِ الكراسي بالسَجّادِ وإخفاء مظاهر العِبادة الكاثوليكيّةِ كالتماثيل بقُطَعِ القِماش (زادَهَا الخوري).

في مدينة «فاريتزي»، شمالي إيطاليا، خَصَّصت كنيسةُ «القديس نازاريو» مكانًا ليقيمَ المسلمون صلواتِهم وصلاةَ «التراويح» خلالَ شهرِ رمضان.

في إمْبابة، شرقي القاهرة، أدّى عشراتُ المصلّين صلاةَ الجمعة أمام كنيسةِ العذراءِ مريم (13/04/2013) تعبيرًا عن الوِحدة الوطنيّةِ المصرية.

في فِلسطين، أمام المسجِدِ الأقصى، وَقفَ الشابُّ المسيحيُّ نضال عبود يَقرأُ الإنجيلَ ومَن حولَه يَتلونَ القرآنَ.

في بغداد، شارك شبابٌ مسلمون عراقيّون المسيحيّين في قُدّاس رأسِ السنة (2019) في كنيسةِ مار يوسف ورتّلوا معهم ورَكَعوا أمامَ المذبح.

وفي أنطلياس، عندَنا، حضرَ إلى كنيسةِ مار الياس وفدٌ مُسلِمٌ ضَمَّ نحو خمسينَ شابًا وشابّةً وصلّوا الـ«أَبانا»، رافعين أياديهم، وتَلَت صبيّةٌ منهم صلاةً فرديّةً أثناءَ «الطلْبات» باسمِ جميعِ المشاركين مسيحيّين ومسلِمين، وكثيرون تَلَوْا «الفاتحة» (29/01/2002)، إلخ...

حَصل كلُّ ذلك من دونِ أنْ يَتغيّرَ شيءٌ في الإنجيل والقرآن، لكنَّ الأُخوّةَ بين المسيحيّين والمسلمين نَالت جُرعةَ تفاؤلٍ في زمنِ التطرّفِ والتكفير والخوفِ من الشارع. لكنَّ الحمَلاتِ على السيدةِ الطبش جارودي أعادتنا إلى زمنٍ حَسِبْناه مضى (لا تَدينوا لئلّا تُدانوا، إنجيل متى: 1:7).

ردّاتُ الفعلِ على لقاءِ نائبِ بيروت بيسوع (للتذكير هي نائبٌ عن مُسلمي ومسيحيّي بيروت)، زادت الشكوكَ بمناعةِ الشراكةِ الوطنيّةِ وهي أصلًا في طورِ الاحتِضار. ما هذا التعايشُ الذي لا يَتحمّلُ أن تَتقدَّمَ سيدةٌ مُسلِمةٌ من مذبحِ كنيسةٍ في إطارِ تَصرّفٍ عفويٍّ نبيلٍ لا بِنيّةِ ارتدادٍ ديني.

وما آلمني أكثر أنَّ ردّةَ الفعلِ لم تأتِ، هذه المرّةُ، من أطرافٍ سُنيّةٍ متطرّفةٍ وتكفيريّة، بل من مرجِعيّاتٍ نتوسَّمُ فيها الاعتدالَ والانفتاحَ والحكمةَ، ونَتطلّعُ إلى أنْ تكونَ هي راعيةَ إنقاذِ الشَراكةِ وتجديدِها. وما آلمني أيضًا أنَّ ردّةَ الفعلِ لم تَحدُث في دولةٍ مسلمةٍ صِرْفة، بل في لبنان، الشاهِدِ الأخير على الشراكةِ المسيحيّة ـــ الإسلامية في هذا الشرق. رجاءً لا نُحوِّلَنَّ لبنانَ الشاهِد شهيدًا.

الجمهورية: https://bit.ly/2H0TBUb

اخترنا لكم
إسرائيل تضع ثلاث خيارات أمام الفلسطينيين.
المزيد
قصف كثيف على غزة يفاقم «الكارثة الإنسانية»... وآمال التوصل إلى هدنة تتلاشى
المزيد
اللعبة انتهت وتم اتخاذ القرار. GAME OVER.
المزيد
التناقض الأميركي
المزيد
اخر الاخبار
بايدن سيلتقي نتنياهو قبل خطابه أمام الكونغرس
المزيد
الرياض تعرب عن «قلقها البالغ» من التصعيد العسكري في الحديدة
المزيد
الفوضى الرقمية: كيف تسبب تحديث خاطئ في شلل عالمي ودفع بأجندات الأمن السيبراني إلى الواجهة؟
المزيد
إسرائيل تضع ثلاث خيارات أمام الفلسطينيين.
المزيد
قرّاء المغرد يتصفّحون الآن
ملفات الفساد تلاحق نتنياهو والأخطر "ملف 4000"
المزيد
إعلام المستقبل ينبه: رسائل مشبوهة تنتحل صفة أحمد الحريري!
المزيد
هشام حداد:غني يا حياتي و بيعي اكتر من ٧٠ تيكت و ما بَدنا منك شي
المزيد
حادث سير مروّع على الطريق العام في ذوق مصبح.. و"اليازا" تستعين باللبنانيين!
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
لبنان على حافة كارثة جيولوجية!
"واتس آب" يطلق ميزة جديدة لتسهيل المراسلات الصوتية في الأماكن الصاخبة
فيديو.. بسعر 6.2 مليون دولار.. بيع أغلى "موزة" في التاريخ
سابقة.. أول صورة مفصّلة لنجم في مجرّة أخرى غير درب التبانة
الحاج حسن: أضرار القطاع الزراعي هائلة ومسح جوي لتقييم الخسائر بالتعاون مع الفاو
بعد إخبار رازي الحاج... إلقاء القبض على ٤ أشخاص