#الثائر
لا حرب تولد بالصدفة، وليس صحيحا كما تعلمنا في كتب التاريخ أن الحرب العالمية الأولى (1914) اشتعلت شرارتها بعد اغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرنسوا فرديناند وزوجته صوفي في مدينة سراييفو من قبل الشاب الصربي البوسني غافريلو برانسيب رصاصتين، فلأي حرب ممهدات سياسية واقتصادي وعوامل وظروف عوامل عدة، ولا يمكن تصغير حدث دراماتيكي أزهق أرواح نحو عشرين مليون نسمة بحادثة ممكن أن تحصل في أي بلد، وجاء حادث الاغتيال هذا ليكشف هشاشة الظروف التي سبقت الحرب في أوروبا والعالم.
كلنا يعلم ممهدات الحرب الأهلية في لبنان، ولا نستعيدها كي لا ننكأ جراح الماضي، وبعضها لما يندمل بعد، لكن من واكب هذه الحقبة السوداء من تاريخ لبنان يعلم أن الحرب بدأت تتمظهر في أعقاب أحداث عام 1958، وبعدها في مطلع السبعينيات، إلى أن جاءت حادثة "بوسطة عين الرمانة" في 13 نيسان (أبريل) 1975، فكانت تماما كحادثة اغتيال الأرشيدوق فرديناند، شرارة أشعلت أرضا هشيم، أي مهيأة لتلقي النار والانفجار.
ما يؤسف اليوم أننا نعيش ممهدات حرب جديدة، فيما المسؤولون في غفلة من زمن، همهم بعض وزارات وثلث ضامن لمصالح أو ثلث معطل لمصلحة، والهدف واحد واضح، الاستحواذ على ما بقي من ثروات من باب التحاصص والصفقات، ولا من يرى أو يعلم أن الشارع يغلي، والناس سئموا واقعا محكوما بكل هذا العقم الذي لا يولِّد غير الضياع ويستولد الخوف كحالة دائمة.
لا يعلم تحالف السلطة، بما هو تحالف بين طوائف، واجهتها أحزاب ملتبسة في انتمائها للبنان، أنهم بتقاعسهم وتغليب مصالحهم وتعطيل البلد ورفع سقف الخطاب الطائفي يساهمون في توفير ممهدات حرب جديدة، حتى باتت اللغة الطائفية تعبر عن نفسها شتائم تطاول المقدسات بشكل يؤكد أن ثمة بركانا يغلي، وما يزال السياسيون يوقدون نار خلافاتهم سعيا لمكسب.
بالأمس تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي "تغريدات" مسيئة للمقدسات المسيحية، وجاءت في تغريدات على "تويتر"، ما لبثت أن انتشرت كالنار في الهشيم على موقع "فيسبوك"، في مشهد مقيت وتعليقات لا يمكن قبولها وتستوجب ليس الإدانة فحسب، وإنما ملاحقة من كتب.
نعلم أن من "غرد" لا يجمل أبناء طائفته، فأبناء السوء قلة في كل طوائف لبنان، لكن ما يخيف أن ما حصل يستفز طائفة بعينها، ومن هنا، نرى أن الرد على أي موقف مسيء لجناحي لبنان المسيحي والمسلم يجب أن يواجه بموقف وطني، لكن ذلك وحده لا يكفي، فإذا لم تتيقن السلطة السياسية أنها في مغامرتها قد تقود البلاد إلى الخراب، فذلك يعني أننا نشهد ممهدات لحرب جديدة – لا قدر الله!