#الثائر
ألقى العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أخبرنا الله به عندما قال: "ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون * قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون * إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون * فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون * إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون * هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون * لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون * سلام قولا من رب رحيم * وامتازوا اليوم أيها المجرمون * ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم}.
لقد قدم الله من خلال هذه الآيات مشهدا واقعيا من مشاهد يوم القيامة، وترك لنا الخيار، وجعل القرار بأيدينا، والواعون هم من يثقون بربهم، لذلك، هم يعبدونه، ويطيعونه، ويسعون إلى رضوانه، ويبعدون أنفسهم عن تسويلات الشيطان وخدعه ومكره وأمانيه المعسولة، فينالون بذلك ما وعدهم من جنته، ويتجنبون ناره، ويكونون بذلك أكثر مسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات".
اضاف: "البداية من لبنان، الذي دخل عاما جديدا وهو لا يزال محملا بالأزمات التي كانت تعصف به على كل الصعد، من دون أن تلوح في الأفق بوادر حل تنهي هذه الأزمات، بدءا بتشكيل حكومة تستحق عنوان حكومة وحدة وطنية، حكومة متجانسة ومتعاونة. لقد كنا نأمل أن تستلهم القوى السياسية محطة رأس السنة لتكون مناسبة للمراجعة والمحاسبة، ولتشكل فرصة لإعادة النظر بكل السياسات والتوجهات التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه من الانحدار على كل المستويات، وحتى الانهيار".
وتابع: "لكننا، ومع الأسف، لا نرى حتى الآن أي بوادر توحي بالتغيير، ولا نلحظ ذهنية جديدة في التعامل مع قضايا البلد ومصالح الناس، حتى إن الكثير من اللبنانيين باتوا لا يرون حتى في تشكيل الحكومة ، على أهميته ولو المعنوية، منطلقا لمرحلة جديدة مختلفة عن الماضي، فأي حكومة ستخرج البلد من أزماته، في الوقت الذي يراد لها أن تشكل على قاعدة الغلبة، أو في ظل وجود الهواجس والمخاوف التي تسيطر على القوى السياسية من بعضها البعض، إذ إن الكل خائف من أن يكيد له الآخر أو يعد العدة لذلك، حتى بين من كانوا يعتبرون من الحلفاء؟!".
وقال: "إننا، رغم كل هذا الواقع الذي يعيشه النادي السياسي أو الأزمات التي تنتج منه، والتي توحي بالتشاؤم، وتدفع الكثيرين إلى القول أن لا أمل من هذا البلد، و"فالج لا تعالج".. لا نزال نرى أن العلاج ممكن عندما تشعر كل القوى السياسية بأن هناك شعبا واعيا يرفع صوته، ويحاسب ويدقق، ولا تنطلي عليه كل الإثارات الطائفية والمذهبية وادعاءات الدفاع عن حقوق مهدورة لهذه الطائفة أو تلك، والتي باتت السلاح الأمضى لتخدير الناس وضمان سكوتهم".
واضاف: "من هنا، فإننا نقف مع أي تحرك شعبي يعبر فيه الناس عن آلامهم وأوجاعهم، شرط أن يكون مدروسا ومسؤولا وفاعلا، وأن لا يكون أداة في الصراع السياسي الدائر بين القوى السياسية. إن من حق اللبنانيين أن يرفعوا أصواتهم ليقولوا لكل الواقع السياسي المعطل والمعرقل للحلول: كفى استهتارا بمصالحنا وبمستقبلنا ومستقبل أولادنا.. لقد أودعناكم المسؤولية حتى تخففوا عنا، لا لتزيدوا مشاكلنا، أو لتضيفوا أعباء جديدة بسبب فسادكم أو تغطيتكم على الفساد والسماح به، أو لتجعلونا مشردين في هذا العالم، نتسكع على أبواب الدول للحصول على لجوئها".
وأشار الى القمة الاقتصادية التي ستعقد في لبنان في العشرين من الشهر الجاري، وقال: "نأمل أن تشكل عامل ضغط وحافزا لدى عقلاء السياسة اللبنانية، ومن يتحملون المسؤولية في هذا الوطن، بأن يحفظوا موقع هذا البلد، ويسارعوا لتشكيل حكومة تتحمل مسؤولياتها.. لتكون القمة فرصة يستعيد فيها لبنان دوره سياسيا واقتصاديا. ونأمل في إطار هذه القمة أن يعمل المسؤولون اللبنانيون لإيجاد المناخات وتهيئة الظروف التي تؤدي إلى مشاركة سوريا في هذه القمة، نظرا إلى الآثار التي يتركها ذلك في إعادة لم الشمل العربي المطلوب في هذه المرحلة".
اضاف: "وأخيرا، لا بد من أن نتوقف عند ظاهرتين يعانيهما هذا البلد.. ظاهرة ازدياد حوادث السير في لبنان، إذ تشير الإحصائيات إلى عدد كبير من الضحايا الذين يسقطون بسبب ذلك، وقد يكون السبب فيها هو السرعة الزائدة وعدم الأخذ بمعايير السلامة التي من الواجب العمل بها، ولكن المسؤولية تقع على عاتق الدولة التي لا بد من أن تتشدد في الرقابة على الالتزام بقواعد السير، وحتى في العقوبات عند مخالفتها.. وفي تأمين الطرقات، سواء من ناحية الإضاءة في الليل أو إزالة العوائق وإيجاد حل للحفريات على الطرقات. إن من حق اللبنانيين على دولتهم أن تؤمن لهم كل سبل السلامة، وإلا فهي شريكة في النتائج التي تترتب على ذلك، والضحايا الذين يسقطون".
ولفت الى الظاهرة الثانية وهي إطلاق الرصاص في المناسبات، فقال: "هذه العادة السيئة التي باتت، وفي كل مناسبة، تتسبب بسقوط ضحايا، ولا سيما أن بعضها يثير الحساسيات، ويعطى أبعادا مناطقية وطائفية.. إن في ذلك مسؤولية على الدولة في ملاحقة مطلقي النار، ولكن هناك مسؤولية تقع على كل مخالف وكل فرد، في أن يتدبر نتائج ما قام به، وأن يعي أنه قد يأتي يوم القيامة متلبسا بجرم يعتقد أنه آمن منه".