#الثائر
كرم مجلس نقابة المحامين في بيروت مجموعة من المحامين لمناسبة مرور خمسين عاما على انتسابهم الى النقابة، (اليوبيل الذهبي)، في حفل اقيم في فندق حبتور- سن الفيل، حضره المدير العام لوزارة العدل ميسم النويري ممثلة وزير العدل في حكومة تصريف الاعمال سليم جريصاتي، الامين العام لاتحاد المحامين العرب ناصر الكريوين، رئيس مجلس شورى الدولة هنري خوري، رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان، نقيب المحامين في بيروت اندره الشدياق، نقيب المحامين في الشمال محمد المراد وأعضاء مجلس النقابة ولجنة صندوق التقاعد ونقباء حاليون وسابقون.
الشدياق
وألقى النقيب الشدياق كلمة بالمناسبة قال فيها: "أن تكرم نقابة المحامين في بيروت ما دأبت عليه إستهلالا منذ 9 أيار 1974 (على ما ورد في ص 130 من كتاب اليوبيل الماسي)، واستأنفته في مطلع التسعينات غداة إنزياح تعبيرات الحرب الدموية المدمرة عن لبنان، فيه تكريم لمن أكملوا الخمسين عاما ونيف في مزاولة مهنة المحاماة".
اضاف: "زملائي الكبار، الكبار أعمارا وأقدارا وهامات، إن الخمسين نقشت على جبينكم أماجيد الرؤوس المضفورة بأكاليل العلم والخلق، فلا يحسب النقيب لقاء هذا الأمسية مناسبة إحتفالية يتراكم فيها الوقت وينقضي معها الزمان، فعناؤكم والكد أضفيا على سيرتكم أكرم الألقاب وأشرف النعوت. متحلقون نحن هذه العشية بإعجاب وإكبار حول أعلام من المهنة، لإلقاء التحية على نسور المحاماة التي نزلت على دور العدل نزول كريم على كريم، وكان لهم تقادم هذا الزمن علامة ثبات وشهادة إنتصار لصبرهم على صعاب مضت من عمرهم وما قضت على حلمهم. وإذا رحل عنا من رحل قبل تكريمه، فرب الإستلهام من القول المأثور لجبران خليل جبران: "إن الإنسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الإجزاء، فكلما رحل صديق مات جزء منا، وكلما غادرنا حبيب مات جزء".
وتابع: "خمسون سنة تآخيتم فيها سلاحا، سلاح القلم والكلمة، وتساويتم جهادا، حتى بتم مزدانين بحكمة الشيوخ يوم كنتم شبابا، وأراكم الساعة، وأنتم شيوخ، تتحلون بنشاط الشباب، لأنكم عملتم على مقاتلة الظلم بصلابة لا تسعها قدرة، بفكر لا يحصره أفق، وبطموح لا تحده غاية. لقد ارتديتم ثوب المحاماة أعواما، فلم يتلطخ ولم يتمزق، فكسوتموه من مزاياكم، وسنابل الإستقامة والصدق حتى إرتقيتم إلى الإختصاص المتواضع وكأن في ذاكرتكم قول العلامة Léon Duguit عميد كلية الحقوق في مدينة بوردو الفرنسية القائل:
"Ce n'est qu'au bout de quarante ans d'expérience que le spécialiste se rend compte de son ignorance en sa propre matière"
وقال: "من بيروت أنتم، أو إلى بيروت جئتم، من ساحل، من ريف، من جبل، من حدود جنوبية وشمالية وشرقية، من لبنان، من كل دولة لبنان الكبير التي أعلنت في الأول من أيلول 1920 غداة ولادة نقابتكم في السادس من شباط 1919. فتنتم ببيروت، بزهوها الخلاب وتألقها المشع، فرحتم تحاكون أساتذة القانون القدامى المنحوتة تعاليمهم على جدران مدرسة الحقوق الرومانية المهدمة. في وسط العاصمة، أسستم مكاتبكم وأثثتم رويدا رويدا الغرفة تلو الغرفة فيها، واقتنيتم الكتب والمجلات القانونية، الكتاب تلو الكتاب، والمجلة تلو المجلة، وغالبا ما كانت مشترياتكم منها تصرف من مدخراتكم القليلة لا بل أحيانا قبل كفاف عائلاتكم بكسرة من خبز. من ساحة الدباس وساحة الشهداء والريفولي والأوتوماتيك وباب إدريس وساحة النجمة وبناية الكابيتول وغيرها، إنداحت مكاتبكم كدائرة في صفحة الماء يرمي فيه بالحجر، مدركين تمام الإدراك ان المحاماة يضيق التعريف بها على أنها مهنة فحسب بل هي، كأمتكم، رسالة، فترسلتم المحاماة مهنة وإمتهنتم المحاماة رسالة. إلى أن تلبدت الغيوم السود في سماء الوطن وأطلت غربان التفرقة تنشر النعي وتنثر البغضاء، فدقت المدافع ودك جنى العمر والكفاح والجهاد وسهر الليالي الطويلات. فلم تلن عزيمتكم، وتابعتم مجددا الدروب الوعرة الموحشة رغم الآلام التي تملكتكم، فعاودتم الإنطلاق كطائر الفينيق منبعثين من رماد الدمار ومحولين الركام إلى بنيان ومستبدلين الهوان بالقوة".
اضاف: "كم كنت أرغب لو قيض لي خلال لقائنا بعض فسحات أقف خلالها أمام كل إسم من أسماء الزملاء المحتفى بهم للتنويه بإنجازاتهم العديدة والعطايا الكثيرة، غير أنه كيف لي ان أراكم مواسم حصاد أعمال كل واحد منهم بما يستحق، فأكتفي بإستذكار ثمراتهم على مدى أكثر من خمسين من المواسم، دون أن أنسى الزميلات الأربع بينكم اللواتي شققن طريقهن معكم على خطى الزميلتين الأستاذتين بولين تامر ونينا طراد حلو المنتسبتين إلى نقابتنا منذ 1932. فأتصوركم شغالين كدودين، متقوسين فوق ملفات عاصية، تساجلون إعتراضات وإشكالات، تذللون العقبات تلو العقبات، في حق تنازعون، في نص تناقشون، تهاجمون إجتهادا لترسخوا مبدأ، تستنبطون حلا، آتين من الأحاديث أعذبها، من الألفاظ أرقها، ومن المرافعات أبلغها. لم تكتفوا بتمايل الكلمات على ألسنتكم بدائع مرصعة، مقضوضة من عقل ومسكوبة من وجدان، إنما جعلتم لمتدرجيكم ومعاونيكم "قلوبكم هياكل ونفوسكم مذابح وعقولكم كهنة"، على حد ما كتبه نبي لبنان جبران خليل جبران في مؤلفه "العواصف".
وتابع: "وهل لي، من أجل ذلك، أن أعود معكم بالذاكرة إلى أيام الدراسة الجامعية عندما إنفجرت بوجهكم أزمة بنك "إنترا" على خلفية محاولة الإنقضاض على السرية المصرفية اليانعة والمؤسسة لثلاثية إقتصادية مالية ذهبية قائمة على مرتكزات متانة القطاع المصرفي وتغطية العملة الوطنية بالمعدن الأصفر وحرية التحاويل النقدية بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر؟ يومها لم تيأسوا.
أو، لما كنتم في أول سنة من تدرجكم عندما إعتدت إسرائيل، العدو التاريخي للوطن، على مطار بيروت الدولي في 28 كانون الأول 1968، مدمرة ثلاث عشرة طائرة مدنية جاثمة على مدرج المطار، كانت تؤلف الجزء الأكبر من الأسطول الجوي اللبناني؟ يومها، أيضا، لم تقنطوا.
أو، لما غدوتم في ثاني سنة تدرجية، عندما وقع من ولي الأحكام إتفاقية قاهرة في 3 تشرين الثاني 1969، حار أصحاب الإختصاص من زملائكم كإدمون رباط وأنور الخطيب وغيرهما في تصنيفها من زاوية القانون الدولي العام، فيما، من جملة الويلات التي استجرتها، التخلي عن جزء من السيادة الوطنية، وخلق نظام Extra- territorialité للشعب الفلسطيني المشرد قهرا من أرضه المحتلة، وتعارضها مع آخر إتفاقية هدنة موقعة في 23 آذار 1949 في جزيرة رودس من أصل أربع سقطت في حزيران 1967 يتعنت زورا وبهتانا الكيان العبري المتحول اليوم إلى دولة يهودية في تنكره لها لمجرد ان المادة الخامسة منها تنص على ان الحدود الدولية النهائية للبنان هي تلك المحددة والمرسمة بين لبنان وفلسطين الدولة المحظر لفظ إسمها في المجتمع الإسرائيلي".
وختم: "بالرغم من تصرف حكامنا والمسؤولين بعكس القواعد والمبادئ والمفاهيم القانونية التي تنشأتم عليها في جامعاتكم وفي مسيرتكم المهنية، لم تستسلموا أيضا وأيضا. فكنتم على قدر الرهان. آمنتم بالحق. عشقتم المهنة. أحببتم تراب الوطن الذي تلوح اليوم بوادر نهضته من خلال الكرامة المستعادة والإستقرار الداخلي المحقق وإتحاد أبنائه في نسيج واحد يحدوهم الأمل بالإستقلال والحرية والسيادة. إكملوا المسيرة إلى حيث شاء الله، ولا تترجلوا من جياد قدتموها دوما نحو النصر، لا تهجروا مكاتبكم ولا تغادروا المحراب الذي لم تبارحوه في مطالع أيام مهنتكم".
قمبريس
ثم القى أمين سر نقابة المحامين جميل قمبريس كلمة، قال فيها: "لو كنت أتقن فن الرسم تماما كما الرسامون الكبار وكان بمقدوري ان أرسم محاميا وإلى جانبه قاض، لأجعل من أواصرهما صورة بارزة، لما رسمت محاميا يترافع أمام قاض يجلس وراء منصة الحكم. ولما رسمتهما يتصافحان وفي يد كل منهما ملف، بل رسمتهما في ثوبهما الحالك السواد وملاك يظللهما بجناحيه فوق رأسيهما... الملاك هو القانون، وجناحاه، العلم الوافر والخلق الرفيع، وعلى وجهيهما أسارير الشرف والأمانة والإحترام المتبادل".
اضاف: "ايها المكرمون، بوركتم في هذا اليوم العظيم. أنه يومكم، أنتم من امتهنتم المحاماة أقله لنصف قرن ... مهنة مارستموها بينكم وبين أنفسكم قبل أن تظهروا بها على الناس، فكانت إنعكاسا لإيمانكم، وللصورة التي كونتموها في أعماق أنفسكم عن هذه المهنة. آمنتم بالمحاماة رسالة، قبل ان تلجوها وسيلة لكسب العيش. أردتموها رسالة الدفاع عن الحق، والإنتصار للحق. كالرهبان أنتم، كل في صومعته يرتدي المسوح، محتملا شظف العيش في سبيل من أمر بالتراحم والمحبة".
وتابع: "لم تمجد مهنة عبر التاريخ كالمحاماة!..كلكم عاشق لهذه المهنة. أما قيل ان المحاماة علم وخلق ونجدة وشجاعة وثقافة وتفكير ودرس وتمحيص وبلاغة وتذكير ومثابرة وجلد وثقة بالنفس وإستقلال في الرأي وأمانة وإستقامة وإخلاص في الدفاع ...ضحيتم براحتكم وهناء عيشكم. بين الموسوعات الحقوقية، تستنطقونها لتخلصوا إلى رأي سديد. تحريتم عن الحقيقة، وما اكتفيتم بما روي لكم من أمور قد تكون أكثرها غير صحيحة وربما خاطئة في كثير من الأحيان. من ذا الذي يلزمكم ألا تتركوا قولا أو رأيا إلا فندتموه بإجابة أساسها المنطق السليم والرأي السديد اعمالا للقول: "من أفتى بغير علم وإن أصاب فقد أخطأ".
وأكد قمبريس "ان المحامين جسم واحد، يشدهم إلى بعضهم رابطة النقابة. فكل أذى يلحق بأحد أطراف هذا الجسم، يصيب الجسم برمته. من هنا، لا بد من حماية للجسم من حماية كل فرد، حتى تسلم المحاماة، وتزهو، وتبقى ساطعة لتنير للقضاء طريق الحق والعدل، وبذا يبقى المحامي أمينا للقسم الذي أداه يوم مباشرته المهنة وقوفا في حين يجلس القضاة. من هنا فإن المحاماة نضال وتأهب".
وقال: "أستميحكم عذرا بألا تتهموني بالمغالاة في مدح المحاماة في يوبيلكم، واسمعوا ما قاله Thibeaudeau:
"Le Barreau est l'asile inviolable de la science, de la probité, de l'indépendance et de l'honneur …"ومن أجمل وأثمن ما قيل في النقابة، شهادة (موليير) في روايته (مريض الأوهام). فهذا اللسان اللذاع لم يكن يبخل بنقد أو سخرية، نجا منه المحامون، فلم يقل فيهم إلا أطنابا ومديحا وبحق. وكان يفاضل بينهم وبين القضاة، فيقول: "إن رجال القضاء هم أكثر تساهلا وليونة، وفي جعبتهم وسائل وحيل قانونية تمكنهم من تجاوز القانون بلطف وتأن، وبعكس ذلك المحامون الذين هم عادة أشد صلابة وقوة وعودا، في هذا المضمار، وهم جهلة في ميدان الألاعيب الضميرية".
واكد انه "بأمثالكم يا حماة الحق، يا حماة المهنة سننهض بالمحاماة كما بالمحامي، إلى الأوج الذي أوصله إليه (Henrion De Pansey) يوم قال بأن "المحامي أفضل حتى من القانون لأنه يدافع عنه".
وقال: "عود إلى هذا الهيكل الذي رفعناه بقلوبنا. عود إلى محراب الحق. فالقانون، هذا الجاف، ترطبه حلاوة في التفكير، وشموخ في الحق، وشهاق في الضمير. ليجعل كل منكم نفسه طائرا مغردا، إذا أعطي له أن يرنم ألفيته وكأنه حب ينبثق وزهرة تفوح، حتى باتت تختلط عليك أناشيده وزغاريد البلابل حوله. عمركم ساعتكم. دنياكم روضتكم. شريعتكم حريتكم. دأبكم كدأب هذا الطير. دأبه ان يطير ويشدو فرحا، ثم يهبط على الحب والجمال أينما حل. فلكل منكم تحية أطيب من الطيب، وأصفى من الصفاء. لكم مني كل محبة ومودات".
قرطباوي
وتحدث، باسم المكرمين، الوزير ونقيب المحامين السابق شكيب قرطباوي، فقال: "انها لحظات تمتزج فيها العاطفة بالذكريات، ويترنح فيها الإنسان بين عقله وقلبه. أتطلع بأوجه زملائي الذين أولوني شرف التكلم بإسمهم في هذه الأمسية، فتعود بي الذكريات الى السنين الطويلة التي قضيناها معا في قصور العدل، وعلى درب الجلجلة أحيانا، عنيت بهذه الأخيرة سنوات الحرب العبثية. وتطغى علي في نفس الوقت سعادة اللحظة برؤية رفاق درب جمعتنا معا مبادئ أساسية تقوم عليها مهنة المحاماة ورسالتها، وأصول التعامل بين الزملاء، ضمن شرعة أخلاقية وضعها المحامون لأنفسهم منذ قرون عدة ولا يزالون. وتعود بي الذاكرة الى معلمي الأول الذي تدرجت على يديه في أواخر الستينات وبداية السبعينات المرحوم الأستاذ شاهين حاتم، وقد تابعت من بعده مجموعة الإجتهادات المعروفة بإسم مجموعة حاتم، وقد كان لها الأثر الكبير في حياتي المهنية. ويعود بي العقل والقلب معا الى بدايات السبعينيات من القرن الماضي أيضا، حيث إلتقيت لأول مرة وفي صالة الخطى الضائعة في قصر عدل بيروت، زميلتي أرليت القيم التي أصبحت شريكة حياتي، وأم أولادي، والسند الأساسي في ما وصلت إليه".
اضاف: "يوم دخلنا مبنى نقابة المحامين لنتسجل كمتدرجين، كان الشعور بالقلق ينتابنا، قلق من مستقبل كان لا يزال مجهولا، ودخول إلى قدس أقداس القانون، إلى نقابة لها تاريخها المجيد منذ تأسيسها سنة 1919، وهذا الأمر بحد ذاته كان يثير الرهبة في ما بيننا. ومرت الأيام ولحقت بالمهنة حرب السنتين، عندما أصبحت العدلية في خبر كان. وفي بداية الثمانينات إلتقيت زميلي النقيب رمزي جريج، فكان مشواري الناجح معه، وهو الأطول في حياتي المهنية، وإليه أوجه تحياتي هذا المساء. في هذه السنين الطويلة منذ بدء تدرجنا، فقدنا بعض الرفاق الذين سبقونا إلى دنيا الحق، وتقاعد البعض القليل من بيننا، فإليهم جميعا، أينما كانوا، تحيات زملائي المكرمين وتحياتي الشخصية".
وتابع: "لقد رافقني منذ شبابي حلم كبير، وأكاد أغيب عن هذه الدنيا وما زال الحلم حلما. حلمت، كما حلم زملائي المكرمين والأكثرية الساحقة من الزملاء، حلمت بسلطة قضائية مستقلة تكون الحجر الأساس في بناء وطن الحريات ودولة القانون".
واشار قرطباوي، الى انه "في يوم من الأيام قال مارتن لوثر كينج "لدي حلم" "I have a dream"، كان يحلم بوطن تسوده المساواة بين الأسود والأبيض. وبعد إغتياله بسنوات عديدة تحقق حلمه وانتخب شخص أسود رئيسا للولايات المتحدة الأميركية. وأنا أقول، ومع عدم التشبه اطلاقا بعظمة مارتن لوثر كينج، أنا أحلم منذ مطلع شبابي، أحلم بدولة مدنية يقيم فيها مواطنون بكل ما للكلمة من معنى، أحلم بدولة الحريات والقانون، أحلم بدولة عمادها قضاء مستقل نزيه يحاسب نفسه ويحاسب الآخرين، ويضع حدا للفساد المستشري. وحتى اليوم ما زال حلمي حلما، فالدولة أضحت مذهبية زبائنية، والقضاء الذي فيه قضاة كثيرون مميزون بعلمهم وإستقلاليتهم وأخلاقهم الرفيعة، لا يزال كسلطة، بعيدا عن مفهوم السلطة المستقلة، لا بل إن بعضه قبل باللجوء لرجال السياسة والنافذين. كما أن الفساد دخل في ثقافتنا الشعبية وفي طريقة عيشنا اليومية. وبالرغم من كل ذلك لم أيأس ولن أيأس، ولا أزال أحلم".
ورأى انه "إذا سقط هذا الحلم سقط الوطن، موطنا لأولادنا وأولاد أولادنا. ووصيتي اليوم لأولادنا، ومن بينهم زملاء محامون، أن يثابروا على الحلم، عله يتحقق، فمن لا يحلم بالأفضل يتراجع الى الوراء".
وقال: "وإلى من يتساءل عما قام به في هذا الإطار المتكلم الآن أمامكم يوم تولى وزارة العدل، أقول أنني حاولت بأقصى جهودي حمل القضاء على محاسبة نفسه ومحاسبة الآخرين. فقامت حملة تنظيف للنفس بعيدا عن الصخب والإعلام والشعبوية لم يشهد لها لبنان مثيلا. والكثيرون من بينكم يعرفون تماما عما أتكلم. لكن يدا واحدة لا تصفق، والمتابعة أمر أساسي في كل مؤسسة. وفي مطلق الأحوال أترك هذا الكلام إلى مناسبة أخرى، فلقاؤنا هذا المساء أمر آخر".
اضاف: "دعوني أعود الى بيتنا العائلي، الى نقابتنا، الى هذه النقابة التي تحتفل قريبا بعيدها المئوي، وقد كانت منذ تأسيسها نقابة رائدة في الوطنية والمهنية، وفي إتخاذ المواقف الشجاعة حتى في أقسى الأيام. يوم إنفرط عقد كل شيء في لبنان، بقيت النقابة واحدة موحدة بفضل نقباء كبار ومجالس نقابة مسؤولة، وبفضل المحامين أنفسهم. ويوم طأطأ كثيرون رؤوسهم ومشوا بالصف، بقيت النقابة مرفوعة الرأس، عالية الجبين لا تحسب حسابا لوصي أو لمحتل ولا تخشاه".
وتابع: "يوم أستعيد كيف كانت المهنة يوم انتسابنا نحن إلى نقابتنا وكيف أصبحت اليوم، لا يمكنني إلا أن أشهد بأن المهنة تقف أمام تحديات كبيرة. فكيف نحافظ على الورقة والقلم، وكيف نحافظ على الكلمة المسموعة في عصر التكنولوجيا، حيث أصبحنا نلقي السلام على بعضنا البعض بواسطة الرسائل الالكترونية، وخف التخاطب والتواصل الانساني في ما بيننا إلى حد بعيد، وهذا الأمر يشكل تحديا ومشكلة في آن واحد. أما الصعوبة الأساسية التي تواجهنا اليوم فهي المحافظة على سلم القيم الاخلاقية في زمن انقلب فيه هذا السلم في لبنان رأسا على عقب، هذا اللبنان الذي تبدل كثيرا، مهما حاولنا إخفاء الأمر أو تجاهله".
وقال: "وهنا يكمن التحدي بالنسبة للأجيال الطالعة من المحامين، فالمهنة تواجه تغييرات جذرية، قد يكون أهمها التخصصية والعولمة، مع تمني المكرمين بأن يحافظ الجيل الصاعد من الزملاء، الذي يتسلم الشعلة منهم، على القيم الأخلاقية للمهنة مهما حصل من تبدلات. وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم، ذهبوا".
اضاف: "حضرة النقيب، أيها القيم على الإرث الكبير، وأنت خير من يحافظ عليه، بإسم زملائي المكرمين وبإسمي الشخصي، أقول لكم أننا نفتخر بنقابتنا، ونفتخر بالميدالية التي علقتموها على صدورنا ونشكركم ونشكر مجلس النقابة عليها، ونوصي رفاقنا الشباب، ومن بينهم أولاد لنا باللحم والدم (وإبني شخصيا من بينهم)، نوصي رفاقنا الشباب بأن يحافظوا على الإرث الضخم الذي آل إليهم، بأن يحافظوا على نقابة عملاقة في الكرامة والشجاعة والعنفوان والعلم، فلا يستخفوا بما قدمه كبار من بيننا منذ قرن وحتى اليوم، لا بل فليرفعوا المدماك المبني مدماكا جديدا. تابعوا التطور وتابعوا التكنولوجيا وواجهوا التحديات، لكن مهما تبدلت الظروف، ومهما إستجد من إبتكارات، لا تنسوا في أي لحظة واجبكم في الحفاظ على دعامات المهنة الأساسية: العلم، والأخلاق، والحلم في قيام دولة قانون فعلا لا قولا، وفي قيام سلطة قضائية مستقلة، أنتم جناحها الثاني. يا له من حلم جميل!".